الملا أخوند.. يفاجئ العالم بالظهور الأول.. ساعة أفغانستان على توقيت «طالبان»

يبدو المشهد خطيرا للغاية في الساعات الأخيرة من الموعد النهائي لسحب آخر جندي من القوات الأمريكية من أفغانستان التي تنتهي اليوم (الثلاثاء)؛ حيث يعتبر المراقبون هذه الساعات ليست الأخطر فحسب في تاريخ أمريكا؛ بل تعد منعطفا تاريخيا للسياسة الأمريكية في أفغانستان بوصف المحللين بعد 20 سنة من دخولها؛ حيث انتهت فعليا الحقبة الأمريكية الدموية بصفرية المخرجات وتغيرت معها قواعد رقعة الشطرنج الإقليمية والدولية، وماتت معها أفكار ونظريات الأمريكيين الأربعة الكبار: دويت أيزنهاور، وهنرى كيسنجر، وزبجنيو بريجنسكي، وريتشارد نيكسون، وما تلاهم من المقلدين: رونالد ريجان، وجورج بوش الأب والابن، وباراك أوباما، وجو بايدن. يعود الأمريكيون إلى ديارهم اليوم خاسرين ولكن هذه المرة ليس كالعودة من اليابان، أو فرنسا، وإنجلترا، أو كوريا، أو فيتنام، إنما عودة تنتهي معها نتائج الحرب العالمية الثانية. أفغانستان كانت ولا تزال أفقر دولة في آسيا لجهة نصيب الفرد قبل سيطرة طالبان. وتم استخدام المليارات التي تم ضخها فيها على مدار الـ20 عاما الماضية بشكل أساسي لتمويل المجهود الحربي، ولم تساعد المواطنين الأفغان العاديين، الذين سقط الكثير منهم في براثن الفقر في السنوات الأخيرة. ومن المؤكد أن طالبان تدرك أنها ورثت بلدا دمرته أربعة عقود من الحرب ولا يمكنها اجتذاب الموارد اللازمة لإعادة البناء. وهم يعرفون أيضا أن أفغانستان ليست كما كانت قبل 20 عاما. وعليهم التعامل مع المتغيرات الدولية ومتطلبات النظام الدولي إلى جانب تمكين المرأة، والنسيج الاجتماعي الذي تحول عن طريق الاتصال الرقمي والوصول إلى العالم الخارجي.نشرت صحيفة الإندبندنت أون لاين مقالا بعنوان «اليوم الذي تحول فيه تعهد جو بايدن بإنهاء أطول حرب لأمريكا إلى هزيمة قاتلة»، مؤكدة أنه من الإنصاف القول إن مغادرة أمريكا من أفغانستان لم تكن مسؤولة، أو مدروسة، أو آمنة. وقال مسؤولون في واشنطن: إن سرعة الانهيار فاجأت إدارة بايدن وتركوها باعتبار أن بايدن سوف يدخل التاريخ كرئيس أشرف على آخر عمل «مذل» في فصل أمريكي طويل ومربك في أفغانستان.يواجه الأفغان اليوم حقبة من حكم طالبان ولم تصدر أي مؤشرات حول نية الحركة تطبيق القوانين المتشددة والحكم عن طريق الترهيب الذي ميز حكومتهم في التسعينات، كما تغيرت لغة الحركة وأصبحت أكثر تصالحية، الأمر الذي أرسل رسائل تطمينية للإقليم والعالم، إلا أن المجتمع الدولي ينتظر الأفعال..

ورغم ارتفاع تكلفة الحرب التي بلغت نحو 83 مليار دولار، والتي كانت كافية لإنشاء قوة أمنية مستعدة للقتال والموت من أجل دولة محاصرة خرجت القوات الأمريكية منها وتركتها وراء ظهرها بلدا مفككا مهترئا.

إن الدخول الهادئ لقوات حركة طالبان إلى كابول شكل نهاية حقبة التدخل العسكري الأمريكي أو نهاية عقيمة لمئات مليارات الدولارات التي أنفقتها الإدارات الأمريكية منذ جورج بوش مرورا بباراك أوباما ودونالد ترمب إلى جو بايدن.. وبكل الأحوال، فإن الخسائر وكلفة الحرب لم تكن شيئا صغيرا. وبحسب مصادر رسمية أمريكية فقد أنفقت وزارة الدفاع الأمريكية ما مجموعه 739 مليار دولار، وكلف تدريب وتسليح قوات الجيش والشرطة الأفغانية نحو 88 مليار دولار، وأنفقت واشنطن أيضا 593 مليار دولار على تأهيل البنى التحتية وإعادة الإعمار. إضافة إلى ذلك، أنفقت وزارة الخارجية الأمريكية والوكالة الدولية للتنمية (يو اس ايد) 59 مليار دولار.

كما يقدر حجم الفائدة على الأموال المقترضة لاستكمال نفقات وزارتي الدفاع والخارجية بنحو 530 مليار دولار. لكن بحلول العام 2050 ستكون قيمة هذه الفوائد قد وصلت إلى 6.5 تريليون دولار. تسود حالة من الفوضى والارتباك في مطار كابول، مع استمرار توافد حشود كبيرة على بوابات المطار، أملا في مغادرة أفغانستان مع اقتراب الموعد النهائي لإنهاء عملية الإجلاء. بالمقابل فإن طالبان دخلت في ورشة عمل متواصلة للتعامل مع المرحلة الصعبة وفق إمكانياتها. وعشية انسحاب آخر جندي أمريكي؛ ظهر ولأول مرة أمير حركة طالبان الملا هبة الله اخوند زادة في قندهار مع قيادات الحركة، لمناقشة واعتماد إعلان الحكومة الجديدة التي من المتوقع أن تضم جميع أعضاء مجلس الشورى الحالي للحركة. ويعقد القائد الأعلى لطالبان هبة الله المشاورات في قندهار، مسقط رأس الحركة، إلى جانب نائبيه سراج الدين حقاني، رئيس شبكة حقاني التي تدرجها أمريكا منظمة إرهابية، والملا محمد يعقوب، نجل مؤسس طالبان الملا عمر. وبحسب مصادر «» فإن تشكيلة الحكومة قد شارفت على الاكتمال، حيث كلف الملا هبة الله نائب الرئيس سراج الدين حقاني والنائب الآخر الملا محمد يعقوب بوضع اللمسات الأخيرة على أسماء مجلس الوزراء. ويتوقع أن يتضمن مجلس الوزراء أكثر من 26 عضوا. إلى جانب مجلس الشورى الذي هو أهم هيئة لاتخاذ القرار بالنسبة لطالبان، وسيرسخ أخوند زادة نفسه. فيما توقعت مصادر مقربة من طالبان أن إعلان الحكومة قد يكون من أخوند زادة نفسه في خطاب متلفز على المستوى الوطني. وفي حالة عدم رغبة أمير طالبان بالظهور على الملأ، فسيتم عبر أحد نائبيه سراج الدين حقاني أو الملا يعقوب، اللذين من المتوقع أيضا أن يتم إعطاؤهما مناصب عليا في مجلس الشورى أو الحكومة الموسعة.ورجحت المصادر أن يتولى الملا يعقوب وهو نجل الملا عمر منصب وزير الدفاع لأنه يرأس حاليا اللجنة العسكرية لطالبان. ومن المفارقات أنه عشية الرحيل الأمريكي يأتي الظهور الأول لأمير الحركة الملا هبة الله في قندهار معلنا عودة عقارب ساعة طالبان على التوقيت الأفغاني. إنها نهاية حقبة أمريكا.. اتساع رقعة الشطرنج الإقليمية.