المطيري: جمعية الفلسفة لن تنحاز لمدرسة ولن تخلق صراعاً

يعد الدكتور عبدالله المطيري عرّاب الفلسفة المؤسسيّة في مجتمعنا، وإذا كنا نستعيد أطروحات عبدالله القصيمي النظرية الوافدة من خارج الحدود بشيء من الإعجاب وبكثيرٍ من الارتياب، ونتعامل مع مشروع المعلّم المؤصل إبراهيم البليهي بأوجه حفاوة جُلى، ومناورة ومداورة من قلة يعتريها شك من جدوى الطرح، فإن المطيري باهتماماته السابقة وانشغالاته الدراسية والبحثية وعنايته اللاحقة بالعمل المؤسسي يعبر بنا الجسر، ويبني للفلاسفة السعوديين أرضاً صلبة للتفاعل الفلسفي وعرض الأفكار تحت أشعة شمس وطننا الدافئة، وهنا نص حوار لاستعادة سيرة مشروع عملاق تم الإعداد له منذ أعوام، وتطلعات نخبة تطمح للإسهام في الوعي التنويري عبر القنوات المشرعنة.

• تهنئة متجددة بإطلاق وانطلاق جمعية الفلسفة، وليتك تطلعنا على ما تم تنفيذه واعتماده من أنشطة؟

•• أطلقت جمعية الفلسفة يوم ٢٧ مايو ٢٠٢١ أنشطتها وبرامجها، إثر صدور قرار تأسيسها في السابع من نوفمبر ٢٠٢٠، واحتوت الأنشطة على مسابقة المصطلحات الفلسفية مقدمة للعموم بجوائز تصل إلى عشرة آلاف في الشهر؛ وهي المسابقة التي تستهدف رفع مستوى المشاركة المجتمعية في النشاط الفلسفي من خلال تصميم فيديوهات قصيرة عن مفاهيم فلسفية تعلن عنها الجمعية كل شهر. وأطلقت الجمعية مشروع قراءات فلسفية في الفكر المعاصر، الذي يستهدف إقامة تواصل وحوار فلسفي بين الباحثين المعاصرين والجيل الأول من المفكرين السعوديين. اختارت الجمعية أن تكون الدورة الأولى من هذا المشروع مخصصة للجيل الأول من المفكرين السعوديين من مواليد ١٩٤٠ وما قبل. وكانت الجمعية قد أعلنت عن النشاط الأول من هذا المشروع من خلال محاضرة يقيمها الدكتور سعيد السريحي بعنوان «الجذور الفلسفية في فكر محمد حسن عوّاد التنويري»، البرنامج الثالث بعنوان «الفيلسوف الصغير» ويسعى لتقديم الفلسفة للأطفال عبر برامج وورش عمل مخصصة للأطفال وأولياء أمورهم تتبع منهجية P4C العالمية. هذه البرامج الثلاثة برعاية هيئة الأدب والنشر والترجمة، التي تسعى مشكورة لدعم الأنشطة الفلسفية في السعودية ضمن إستراتيجيتها الثقافية العامة، إضافة إلى برنامج تدريبي يضم حزمة فعاليات؛ منها تدريب وورش عمل تهدف لتطوير مهارات فلسفية محددة تتناول مهارات القراءة والكتابة الفلسفية وعدد من مهارات التفكير الناقد والفلسفي وغيرها من المهارات. أما في مجال النشر فقد أطلقت الجمعية برامج نشر ورقي وإلكتروني تشمل إصدار كتب ومجلة فلسفية ومقالات وترجمات وكذلك برامج بودكاست تشمل المفاهيم الفلسفية وقراءات الكتب وكذلك الحوارات.

• ماذا عن ملامح وسيرة التأسيس؟

•• حكاية تأسيس الجمعية حكاية من النجاح والتواصل المثمر بين عدد من الأطراف. الوزارة المصرّحة وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تعمل وفق نظام واضح وحديث إلكتروني لتأسيس الجمعيات. ومن الجهة الأخرى كانت وزارة الثقافة ممثلة في وحدة الجمعيات وهيئة الأدب والنشر والترجمة مرحبة بفكرة الجمعية وداعمة لها ضمن إستراتيجية الوزارة في دعم القطاع الثالث غير الربحي في الشأن الثقافي. حاولنا في التأسيس دعوة أكبر عدد ممكن من المهتمين والمهتمات بالفلسفة من المتواجدين في السعودية عند تقديم الطلب. البعض منهم سمحت له الظروف بالمشاركة والبعض لم تسمح ولكن الجميع كان مرحباً وداعماً لهذه المؤسسة المجتمعية التي ستبقى للمجتمع السعودي عبر أجياله المتتابعة.

• بماذا تعد الأرواح والأذهان الطامحة لقيام مجتمع فلسفي؟

•• تسعى الجمعية لأن تكون بيتاً مضيافاً للمهتمات والمهتمين بالمجال الفلسفي. هذا يعني أن الجمعية لا تهدف فقط إلى إنتاج محتوى فلسفي عميق، ولكنها تسعى كذلك لاستضافة المغامرات والمحاولات الأولى في المجال الفلسفي. نتفهم كثيرا أن هناك مهتمين بالفلسفة ليس لأغراض أكاديمية ولكن باعتبار الفلسفة جزءا من تجربتهم الوجودية في هذا العالم، لذا تسعى الجمعية لتوفير أجواء حوارية وتواصلية مفتوحة لجميع الفئات للمشاركة في المجتمع المعرفي السعودي. الجمعية معنية بالخبرة الفلسفية بكل تفاصيلها، ولا تقصر اهتمامها على النشر العلمي الفلسفي. تعتبر الفلسفة لدى كثير من المهتمين تجربة حياة وهذا الاهتمام جزء أساسي من نشاط الجمعية.

• كيف ترى تفاعل وزارة التعليم مع المشروع؟

•• في حين خطت وزارة التعليم خطوات مهمة في سبيل إدماج المعرفة الفلسفية في التعليم العام من خلال مقرر مهارات التفكير النقدي والفلسفي السابق ومنهج التفكير الناقد الحالي، وكذلك تبنيها لدورات تدريبية مقدمة للمعلمين في مجال التفكير الفلسفي، إلا أن الجامعات السعودية لم تخط بعد الخطوة الأولى والأساسية في افتتاح أقسام للفلسفة أو إقرار مقررات فلسفية متاحة للطالبات والطلاب. هذا الوضع يحتّم على الجمعية لعب دور تعليمي في المجال الفلسفي لتعويض الغياب الأكاديمي على أمل افتتاح قسم فلسفة قريبا في واحدة أو أكثر من الجامعات السعودية. الأمل كبير في تحقيق خطوات أوسع في طريق دخول الفلسفة للنظام التعليمي السعودي العام والعالي، والتحدي الأكبر الآن أمام وزارة التعليم يتمثّل في تأهيل المعلمين على التعامل مع مقرر التفكير الناقد وتقديمه للطلاب بأفضل شكل ممكن. دور المعلم أساسي في هذه العملية وإذا لم يكن مؤهلاً لهذا الدور فإنه قد يكون حاجزاً أو عائقاً يحول دون استفادة الطلاب من هذه المقررات. هذا التأهيل يفترض أن يكسر الحاجز بين المعلم والمنطق والفلسفة وأن يوفر لديه اتجاهاً إيجابياً تجاه تعليم هذا المقرر. هذا الاتجاه الإيجابي سينعكس على بيئة الصف وطبيعة العلاقة التربوية التي يتصل من خلالها الطالب مع مثل هذه المقررات المهمة والجديدة على البيئة التعليمية السعودية. الجمعية مستعدة للتعاون مع وزارة التعليم في كل ما يمكن أن يساعد على رفع كفاءة تأهيل المعلمين لتدريس هذا المقرر أو توفير أفق فلسفي تربوي يساعد المعلم على التعامل مع التعليم والتربية من منظور أوسع وأشمل وأكثر دقة وقدرة على النقد.

•هل من شراكات مجتمعية؟

•• تسعى الجمعية لعقد شراكات وتعاون مع كافة المؤسسات الثقافية والتعليمية في السعودية؛ سواء أكانت حكومية أم خاصة أم من القطاع الثالث غير الربحي. هذا التعاون يجمع الجهود ويضخ طاقات أكبر في الوسط الثقافي، كما أنه يؤسس لحالة من الشراكة والتعاون في المجتمع والتخفيف من حدة الانقسامات والانحيازات في الأوساط الثقافية، وعقد شراكات مع المنظمات الفلسفية العالمية والجمعيات الفلسفية المختلفة لغرض التعاون والشراكة المشتركة والمساهمة في تعزيز الدور العالمي للسعودية الفاعل في مجالات عديدة سياسية واقتصادية وفنية وثقافية، والآن جاء الوقت لتقديم المساهمات السعودية في المجال الفلسفي والفكري العالمي.

• ما موقف الجمعية من المدارس والمناهج الفلسفية؟

•• ليس لدى الجمعية انحيازات مسبقة مع أو ضد مدرسة فلسفية معينة أو منهج فلسفي معين. أهداف الجمعية إجرائية تتعلق بتوفير بيئة صحية للإنتاج والتفاعل والتواصل الفلسفي في المجتمع السعودي. تسعى الجمعية لرفع مستوى الجدية والاحترافية في التعاطي الفلسفي في إطار منطق احترام التنوّع والاختلاف والحوار ومنطق المعرفة والسلم الاجتماعي.

• بماذا ستتجاوزون مفاجآت الممانعة؟

•• من حسن حظ الجمعية أنها ولدت في حالة صحية من الانضباط التنظيمي والرؤية العامة التي تحمي العاملين بشكل نظامي من تدخلات الاجتهادات المعارضة والممانعة. من جهتها تقدم الجمعية يداً ممدودة لكل فئات المجتمع الراغبة في الحوار والتواصل المعرفي. لا تسعى الجمعية لخلق حالة صراعية مع أحد بقدر ما تسعى للمشاركة في نمو المجال الفكري والثقافي في حالة من السلم والاستقرار الاجتماعي، مما يجعله مجالاً جاذباً للمزيد من الأفراد من الأجيال المقبلة. اليوم نحن أمام فرصة لكسر الحاجز بين الناس والفلسفة. هذا لا يعني أن كل الناس ستتحول إلى فلاسفة أو أن كل الناس ستقتنع بالفلسفة، ولكنه يعني أن الباب سيكون مفتوحا للتعرّف على الفلسفة والتواصل معها بشكل مباشر بعيدا عن الحواجز الأيديولوجية التي كانت تمنع الناس من التواصل الصحي مع الفلسفة، وبالتالي تساهم في تكريس المقولات غير الدقيقة والتجييشية ضد الفلسفة والمهتمين معها.

• ما أول ثمرة نقطفها من شجرة المشروع؟

•• كتاب فلسفة الآخرية الصادر مؤخرا عن دار مدارك في ٤٣٦ صفحة يعتبر ثمرة من ثمرات المجتمع الفلسفي السعودي، حيث كان وليد عدة عوامل من أهمها السيمنار الفلسفي المخصص لكتاب الكينونة والعدم لجون بول سارتر، والذي عقد في حلقة الرياض الفلسفية في مطلع سنة ٢٠١٩. البيئة الحوارية التفاعلية ساعدتني كثيراً على تدقيق الأفكار وفتح نوافذ جديدة وكذلك وفّرت لي طاقة هائلة للعمل داخل الأمل الكبير في تقديم عمل يساهم في إثراء الساحة الفلسفية السعودية. الكتاب يتعلّق أساساً بسؤال الآخر في الفلسفة في محاولة لتجاوز مركزية الذات والانفتاح على الآفاق اللامتناهية للآخرية. أطروحة بهجة الضيافة في الكتاب تراهن على فتح آفاق جديدة أوسع في النقاش الفلسفي العالمي خصوصا في إطار الفلسفة الوجودية المعاصرة. الساحة الفلسفية السعودية كذلك شهدت مؤخرا صدور كتاب «الوجود والوعي» لشايع الوقيان؛ وهو كتاب مهم يحاول فيه المؤلف استئناف التفكير الفينمينولوجي على أكثر من مستوى. كذلك صدر كتاب «فلسفة الأخلاق» للأستاذ حمد الراشد وهو كذلك امتداد لسيمنار عن فلسفة الأخلاق عقده المؤلف ضمن أعمال حلقة الرياض الفلسفية. كذلك أنجز الدكتور حسن الشريف أطروحة الدكتوراه الفلسفية حول الانفتاح الفكري، وقد أتيحت لي الفرص لقراءتها وهي تمثل نموذجاً عالي الجودة في الفلسفة التحليلية التي تعتمد التحليل ودقة العبارة وروح الحجاج المنطقي، وأعتقد أنها إضافة نوعية للفلسفة في السعودية وأتمنى ترجمتها للعربية في أقرب فرصة. هذا ليس حصرا للأعمال الفلسفية السعودية ولكنها نماذج مهمة والمستقبل واعد بخروج أعمال إضافية على مستوى عال من الإتقان الفلسفي مما يعزز حالة التعامل الاحترافي والإبداعي في الساحة الفلسفية السعودية.