| الجذام يُجبر «عليا» على ترك ابنتها الوحيدة ويفقدها أصابعها: «نفسي في خلاط»

بداخل عنبر السيدات في مستعمرة الجذام بالخانكة، والتي تبعد عن العاصمة مسافة نحو 35 كيلو مترًا، وعلى حصير افترشته على الأرض، تجلس عليا السعيدة، السيدة الستينية بأصابعها المتآكلة بعدما طالها المرض، وقدماها التي ربطتهما بأحد الجوارب القديمة تخشى أن يكون مصيرها كأقرانها ممن فقدوا أقدامهم بعدما أكلها الجذام.

الحاجة عليا تترك ابنتها الوحيدة قبل 15 عامًا

«عليا» ابنة قرية أبو كبير بمحافظة الشرقية، تجاوزت الـ60 عامًا، ولم تُرزق من متاع الدنيا سوى بنت وحيدة أسمتها رجاء لتُعرف بين زملائها المرضى بـ«أم رجاء»، وعقب سنوات قليلة من ولادتها؛ هاجمها الجذام لتتنقل على إثره إلى مستعمرة الجذام قبل نحو 15 عامًا تاركة ابنتها في الخارج.

تروي المرأة الستينية لـ«» بصوت ضعيف وكلمات ثقيلة على لسانها الذي تلعثم من المرض، أنّ ابنتها تعيش الآن في مسقط رأسها بالشرقية مع أولادها الأربعة، وتتردد على زيارتها بين الحين والآخر، لتعاود الأولى زيارتها في المناسبات داخل منزلها، على ألا تزيد مدة الزيارة على شهر خارج المستعمرة حتى تتمكن من تلقي العلاج، إذ كانت آخر زيارة للابنة قبل حوالي شهر: «بنتي لما بيجيبها الشوق بتجيلي، وكل اللي بتمناه من ربنا إنها تعيش في أمان ومرتاحة حتى لو بعيد عني».

وفي إحدى الطرقات، وتحديدًا أمام غرفتها التي تقضي بها المسنة سنوات عمرها برفقة حوالي 10 من المبتلين بالمرض، تجلس «أم رجاء» يوميًا تتطلع نحو الباب الحديدي العملاق للمستعمرة في انتظار زائر من أهل الخير يشاركها الوقت الذي يمر ببطء شديد بالداخل، بحسب وصفها.

تبدأ «عليا» يومها مع أذان الفجر، إذ تستيقط مع سماع صوت المؤذن يُردد «الله أكبر»، فتتوضأ وتوقظ صديقاتها في العنبر للصلاة ثم تغادر حجرتها لتتنفس الطبيعة حتى مطلع الشمس، وتقضي يومها بين تحضير الطعام أو مسامرة أصدقائها الذين يشاركونها فرشتها على الأرض أحيانًا: «بقضي اليوم بين الصلاة والأكل، وأكتر أكلة بحب أعملها المحشي».

أم رجاء تقضي يومها في المستعمرة بين الأكل والصلاة

وعلى الرغم من أنّها لا تحفظ من القرآن الكريم إلا فاتحة الكتاب، تحرص النزيلة الستينية على أداء الصلاة في أوقاتها :«يوم الجمعة بالذات بحب أقضيه في الصلاة وذكر الله، مع إني مش حافظة حاجة غير الحمد لله ربّ العالمين بس ربنا غفور رحيم هيسامحني»، قالتها «أم رجاء» وهي تؤكد على قراءة الآيات الأولى في السورة الوحيدة التي حفظتها من القرآن. 

أمنيات كثيرة داعبت خيال الطفلة «عليا» قبل نحو 60 عامًا، لتُختزل جميعها في أمنية واحدة الآن بعد أن أفقدها الجذام أصابع يديها الاثنين، قائلة: «ربنا ابتلاني بالمرض بس أنا صابرة وبحمده وأشكره كل يوم، أنا بس كل اللي نفسي فيه خلاط يساعدني وأنا بعمل الأكل عشان إيدي اتعورت من السكاكين».