| بائع بلالين يجوب شوارع القاهرة على كرسي متحرك: مفيش أحسن من اللقمة الحلال

لم يدرك محمد جمال، الرجل الخمسيني، أن عامه الثاني بعد مولده سيكون علامة فارقة في حياته سيظل يتذكره كلما اشتدت به العلة، بعدما شعر أهل الصغير بأن هناك ألما يجعله يبكي طيلة الوقت ناظرا إلي قدميه التي عجزت عن الحركة بشكل طبيعي نظرا لحداثة سنه حينها، هنا بدأ الشك يتسلل إلي قلب الأب الذي أحس أن ابنه ربما يعاني من مرض الروماتيزم لتبدأ محاولات علاجه مبكرا أملا في السير كأقرانه.

تغيير حياة «محمد»

معاناة «محمد» لم تتوقف عند لك الحد، إذ تعرض لمعاناة جديدة بأن أعطاه أحد الأطباء حقنة خاطئة، ليشعر بتنميل في أطرافه السفلية، لم يتمكن من تفسيره لسنه الصغير: «حياتي أتغيرت بشكل كبير، وعرفت أني هفضل عمري كله بالشكل ده، مشلول ومبقدرش حتي أقوم أجيب لنفسي مياه اشربها، وكان ده بالنسبة ليا صدمة عمري اللي لحد النهاردة لسه مأثره فيا بشكل كبير».

محاولة مستمرة من والد الطفل لتخفيف ألم نجله من خلال زيارة عدد كبير من الأطباء لتفسير سبب هذا التنميل: «بعد محاولات عرفوا أني مش هقدر أمشي تاني، ومن هنا خلاص استسلمنا للموضوع ورضينا بقضاء ربنا، ودارت الأيام ومرت لحد ما ربنا كرمني وأتجوزت ورزقني ربنا بالخلفة والذرية الصالحة، بنتين وولدين وهما نور عنيا».

الانتقال إلى القاهرة

الحياة القاسية دفعته إلي السعي خارج الديار والانتقال إلي محافظة القاهرة بعدما عاش أكثر من ثلاثون عاما في محافظة الغربية، حتي يتمكن من توفير نفقات أسرته وأطفاله الصغار، وعلي الرغم من صعوبة التنقل إلا أنه قرر أن يأتي إلي منطقة المعتمدية بصحبة نجله: «جيت أنا وابني الكبير علشان نسترزق، هو بيشتغل في محل ملابس وبيروح يجيبلي شوية لعب أطفال وبلالين علشان أكل عيش في الشارع، بقعد هنا شهر ربنا بيرزقني بمبلغ، برجع بيه للعيال وأقعد في وسطهم يومين تلاتة وبعدها أرجع تاني القاهرة أقعد في أوضة تحت بير سلم لكن بالنسبة ليا كأنها قصر».

بائع السعادة الحزين والذي يشعر الأطفال بالبهجة دوما حينما يطل عليهم فجأة بكرسيه المتحرك ومعه مجموعة متنوعة من البلالين تخطف الأنظار إليه، لا يشعر هو بالسعادة، ربما يرجع ذلك الأمر إلي عدم قدرته علي تحسين وضعه المادي: «بزعل أكيد علي نفسي لما أكون نفسي أشتري حاجه لعيالي ومعرفش، لكن أكيد القليل بركته كتير، والفلوس اللي ربنا بيكرمني بيها بالحلال طعمها حلو وعندي أحسن من مليون جنيه بالحرام».

«عم محمد»: ربيت عيالي بعرق جبيني 

مع إشراقة الصباح يبدأ الرجل الخمسيني ذو الجسد النحيل والظهر المنكسر بسبب هذا الجهاز الذي كان قد استخدمه قديما في محاولة للسير بمفرده دون كرسيه المتحرك ولكنه أصبح سببا في إصابته بإنحاء شديد في منطقة الظهر: «ضهري اتقطم، حاولت زمان أمشي بجهاز من رجليا فكان تقيل وسبب في إنحاء ضهري وتقوس العمود الفقري، علشان كده بطلت استخدمه».

مع دقات الحادية عشر صباحا يجهز العجوز لعب الأطفال استعدادا لبيعها في شوارع القاهرة، لجني القليل من الأموال التي تضمن له مواصله العيش هو وأبنائه ويستمر هذا الأمر حتي الواحده صباحا: «ربنا قدرني وربيت عيالي كويس بعرق جبيني، ٣ منهم معاهم دبلوم والرابع في أولي كلية تجارة، لما لاقيته حابب العلام قلت له يا ابني أبيع لك الـ5 قراريط اللي حيلتي وهعلمك بيهم علشان أتشرف بيك، قالي لا أنا هشتغل وأصرف علي نفسي وهيجي يوم وأشرفك قدام الناس».