| بفيديوهات على تيك توك.. «داليا» تترجم الأصوات للغة الإشارة: حق للصم

كل شيء مهما كان صعبًا أو محزنا نستطيع بسهولة أن نتخطاه، طالما وجدنا رفقة تهون علينا ما يمر وتحاول أن تنسينا مرراته وصعوبته، لكن هناك من حرمهم الله سبحانه وتعالى من نعمة الكلام والسمع لحكمة لا يعلمها غيره، والتي نستخدمهما في التواصل مع الأخرين وتكوين الصداقات والعلاقات المختلفة التي نحتاح إلى تواجدها بجورانا خلال كل الأوقات الصعبة التي تمر علينا.

ومن هذا المنطلق تحاول داليا مصطفى،/ الطالبة بكلية التربية شعبة الإنجليزية احتياجات خاصة قسم سمعية، والمترجمة للغة الإشارة، أن تقدم محتوى على منصات التواصل الاجتماعي يهتم بتلك الفئة من ذوي الهمم والاحتياجات الخاصة.

فحين علمت صاحبة العشرون عامًا، من إحصائيات منسوبة للأمم المتحدة أن عدد الصم والبكم في مصر حوالي الـ 7.5 ملايين نسمة، فكرت أن هذا العدد الكبير من الناس بالتأكيد سنجده ونتعامل معه في كل مكان حولنا، وهم في حاجة كبيرة لمن يستمع اليهم بإنصات ويفهم ما يقولونه، فاتجهت لتقديم فيديوهات على منصات التواصل الاجتماعية المختلفة ومن بينها «تيك توك، فيس بوك، يوتيوب»، تستخدم فيها قدراتها كمترجمة للغة الإشارة لنقل مشاعر إيجابية لكل من يشاهدها من الصم والبكم وفي نفس الوقت محاولة أن تعرف الناس ببعض بدائيات لغة الإشارة حتى يستعملوها في التواصل مع كل من لا يستطيع التكلم او الاستماع.

رغبة في الإعلام وخوف من الأب

حكاية الفتاة التي تعيش بمدينة طنطا بمحافظة الغربية، بدأت مع لغة الإشارة بشكل أشبه بالطريق الذي يختاره القدر لنا دون أي تدخل، حيث تكشف «داليا» في بداية حديثها مع «»، أنها خلال مرحلة الثانوية العامة كانت تجتهد طوال الوقت وتلتزم بعدد ساعات طويلة من المذاكرة، أملا في أن تتحصل على درجات ومجموع يؤهلها للالتحاق بكلية الإعلام، التي تحلم أن تصبح مذيعة من خلالها، مضيفة: «وتبعت جدًا في الثانوية العامة عشان أجيب مجموع يحقق ليا حلمي لدرجة مكنتش بنام وعيني تعبت جدا، وعملت أشعه كتير عليها منها صبغه على العين ومغناطيس على مخ وعصب العين ضعف جدًا، ونظر قل بسبب قلة النوم ومذاكرة كنت وخداها صراع مع زمن والقدر وأني هحقق حلمي».

وبالفعل نجحت الفتاة العشرينية في تخطي شبح الثانوية العامة بمجموع كافِ لالتحاقها بالكلية التي تحلم بها، لكن رغبة والداها وخوفه من سفرها إلى للدراسة بكلية بعيدة عن محافظتها وقف عائقا أمام تحقيق هذا الحلم، موضحة: «الحمد لله ربنا رضاني بالمجموع حلو يدخلني كلية إعلام، بس بسبب تقاليد والدي خاف عليا كبنت من السفر، وعايزني ابقي جمبه عشان يطمن أكتر ودخلت أحسن كلية للأدبي في طنطا وهي تربية»، كاشفة أن في تلك الفترة سيطرت عليها الكثير من مشاعر اليأس بعدما ظنت أن بعض العادات والتقاليد أضاعت عليها حلمها، «وفق حديثها».

العمة حبيبة

قررت وقتها «داليا» أن تضيع من عمرها عاما داخل تلك الكلية، إذ لن تهتم بها لتسقط ويكون ذلك سببا في تركها لتلك الكلية والعودة إلى حلمها، فاختارت أصعب أقسام تلك الكلية، حتى يكون ذلك مبررا لفشلها بها، حيث تحكي: «قولت بقا هجرب أقسام تربية ورسيت على إنجليزي احتياجات خاصة بردوا مكنتش حباه في الأول ومش فهماه أهو اي قسم صعب وخلاص، معرفشي انجح فيه»، حتى استمعت لنصيحة من شقيقة والداها عمتها حبيبة، التي تطلب من الجميع أن يدعوا لها بالرحمة بعدما توفت مؤخرًا، غيرت كل قرراتها وما كان يدور في رأسها، بفضل جملة واحدة فقط قالت لها فيها: «يا داليا ربنا كتبلك الخير ف القسم دا كفايه إنك ممكن توصلي معلومة لشخص اصم يدخلك بيها الجنة»، فتلك الكلمات المختصرة والمباشرة كان لها مفعول السحر على أذان وعقل الفتاة العشرينية، كاشفة: «من وقتها اقتنعت بكلام عمتي وبدأت اشتغل على نفسي في الجال ده واجتهد واتعلم واشوف كوروسات وكل ده ساعدني أتعلم لغة الإشارة».

فيديوهات مختلفة

وبعد أن تعلمت ابنة محافظة الغربية لغة الإشارة، قررت أن تستخدم ذلك لتقدم محتوى مختلف من خلال فيديوهات تصورها تترجم فيها كلمات الأغنيات، حتى يستمع بها ذوي الهمم والاحتياجات الخاصة من الصم والبكم، وتكون سببا في نشر الطاقة الإيجابية بينهم، وكان الأمر المفاجئ إقبال الكثيرون على مشاهدة تلك الفيديوهات، موضحة: «لاقيت إقبال غير طبيعي علي فيديوهاتي مكنتش متوقعاها وفرحت جدا وبدأت أسعى للنجاح أكثر، وحسيت أن دي مكافأة ربنا ليا بعد تعبي في ثانوي وأن تعبي مرحش وأن ربنا شايف إللي احنا مش شايفينه»، مؤكدة أنها ومن حينها تحاول استغلال ذلك في توصيل لغة الإشارة لكل الناس وتوضيح لهم أهمية أنهما يتعلموها أو على الأقل يعرفوا مبادىء أولية بها تمكنهم من تواصل مع ذوي الاحتياجات الخاصة من الصم والبكم.

التيك توك والعيلة المحافظة

وكيفما كان هناك من يشجع الفتاة العشرينية ويؤيدها في هدفها النبيل التي تستخدم تلك الفيديوهات حتى تحققه، كان هناك من ينتقدها بشدة، كاشفة: «أول ما بدأت انزل فيديوهات لاقيت انتقادات زي ما لاقيت التشجيع الانتقادات زي أي تيك توك دا عيب يا داليا انتي من عيلة محافظة»، لافتة إلى أن الأمر لم يكن يقف عند هذا الحد فقط، بل وصل إلى محاولة من هؤلاء الأشخاص المهاجمون والمنتقدون لها في التحدث مع عائلتها ليجبروها على وقف ما تفعله وتقدمه.

حلم المذيعة

لكن كل هذا لم يمنعها من مواصلة طريقها في الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة من الصم والبكم بفيديوهاتها، معلنة أنها في الفترة القادمة ستبدأ في تقدم محتوى يساعد الجميع على تعلم المبادئ الأولية بلغة الإشارة، حتى تمكن الجميع من التواصل معهم بشكل سلس وبدون أي صعوبة، موضحة أنها تتمنى أن يساعد ذلك على أن يشعر من لا يستطيعون التحدث أو السمع، بأنهم أناس مثل الجميع لا يختلفون عن أي أحد ويستطيعون التواصل مع الجميع، كاشفة في نهاية حديثها مع «»، عن حلمها في أن تستطيع من خلال تلك اللغة أن تصبح مذيعة في المستقبل وتقدم برنامج تكشف فيه عن نجاحات ومواهب الصم والبكم في كافة المجالات.