| مهنة فى طىّ النسيان يعتز بها «عم أحمد»: يا محاسن «الصَّدَف»

«اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَاده يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِىُّ الْعَزِيزُ»، آية قرآنية كتبها «عم أحمد» بخط اليد على حائط مواجه لمكتب قديم، اعتاد الجلوس عليه على مدار سنوات عديدة، مستشعراً بلطف الله، حتى إن قلّ الرزق، وانصرف الزبائن عن الورشة.

فى منطقة الدرب الأحمر، كان أحمد على سلامة، وشهرته أحمد سيف، 65 عاماً، يمارس مهنته وهوايته الوحيدة، يُمسك بقطع الصَّدف ليزيِّن بها الأخشاب، وتخرج من تحت يديه فى أبهى صورة، يتخطفها الزبائن، المصريون والأجانب، قبل أن يتبدل الحال فى السنوات الأخيرة، مترحِّماً على الحرفة التى باتت فى طىّ النسيان.

أكثر من 50 عاماً قضاها «عم أحمد» فى الورشة، يتذكر كيف تعلَّق قلبه بالمشغولات الصدفية وهو صغير، متخذها مهنة العمر: «مشغولات الصدف تُصنّف كقطع جمالية تستهوى ميسورى الحال، تعتمد على مهارة اليد وصفاء الذهن، حتى يبدع الصانع فى تصميمها وتشكيلها، ووجودى فى منطقة أثرية عزَّز داخلى قيمة الفنون التراثية، فى الماضى كان البيت المصرى لا يخلو من قطعة صدَف، والسائح كان يتخطف منتجاتنا، أما الآن قلّ الإنتاج والطلبيات والتصدير».

مراحل عديدة تمر بها القطعة الخشبية لتطعيمها بالصَّدف، وفقاً لـ«عم أحمد»: «تبدأ بالنجارة ثم مرحلة الصدف، وبعدها تأتى مهمة الاستورجى لعمل التشطيبات النهائية، أما الآن الماكينات تقوم بنفس التصميمات، لكن الشغل اليدوى له سحره، ويحتاج لمن يقدره»، وكان يشترى الصدف بالكيلو، ويتراوح سعره حالياً من 280 إلى 550 جنيهاً، حسب النوع: «كل بحر وله لون صدف، الأسترالى غير العمانى غير اليابانى، وكذلك النيوزيلندى والمصرى».

«طاولات، غرف نوم، إكسسوارات، وغيرها» كان «عم أحمد» يقوم بتطعيمها بالصَّدف وتباع فى المعارض الشهيرة، وكذلك خارج مصر: «شغلى كان يصل إلى فرنسا وولاية تكساس بأمريكا، وهولندا وبيروت»، وأكثر المشغولات طلباً كانت «العلب والطاولات المثمَّنة والمسدَّسة الأضلاع والخزينة المنزلية».

للرجل الستينى ابن وابنتان، لم يورِّثهم المهنة، ولا يحزن لذلك فى ظل اندثارها، بينما كان يعمل بورشته 17 صنايعياً، تعلموا الحرفة على يديه، وللأسف تم تسريحهم جميعاً بعد أن أُغلقت الورشة منذ عدة أشهر، بسبب قلة الإقبال: «للأسف اتجهوا لمهن أخرى لكسب الرزق، منهم من يقود توك توك، ومن امتهن النقاشة ونسى شغل الصَّدف».

بعض ورش المشغولات الصدفية لا تزال تكافح للصمود «فى آخر نفس» على حد وصف «عم أحمد»، لكن «كورونا» زاد من أعبائها وصرف عنها ما تبقى من زبائن: «أصبحنا نبيع القطعة بنصف ثمنها»، معدداً مزايا المشغولات الصدفية: «مُعمِّرة تعيش لسنوات طويلة، لأنها تعتمد على منتج طبيعى، على عكس الإكسسوارات الصناعية المنتشرة فى الأسواق.. أقل حرارة تفسدها».