| «نورت يا قطن النيل».. مزارعو «الذهب الأبيض» يحلمون باستعادة عرشه

«مع بزوغ ضوء الفجر توجَّه الحاج محمد جمعان إلى أرضه الكائنة بقرية «جمعان»، التابعة لمركز منشأة أبوعمرو أقصى شمال محافظة الشرقية، لجمع محصول القطن، وبينما يتفقد الرجل السبعينى المحصول، ينتشر حوله عدد من العمالة، يتسابقون لجنى القطن، ووضعه فى أكياس بلاستيكية، وقد ارتسمت الابتسامة على شفاههم، وسط ترديد أغنية «نورت يا قطن نيل»، آملين فى آخر يومهم تقاضى أجورهم، والعودة إلى منازلهم فرحين.

«عاوز أتجوز يابا.. استنى لما نجمع محصول القطن»، حوار قصير تذكره الرجل السبعينى وقت أن كان شاباً، قالها لوالده، مشيراً إلى أن القطن آنذاك كان مصدر دخل جيد للأسرة، ومضى قائلاً: «زمان كان محصول القطن خير وبركة، وبننتظر موسم زراعته كل سنة على أحر من الجمر، باقى المحاصيل بالنسبة لنا محاصيل استهلاكية، سواء أرز أو ذرة أو غلة، أما القطن فمحصول استراتيجى، ما كانش فيه مزارع فى زمام المركز أو المراكز المجاورة، إلا ويكون زارع قطن».

اختلفت أحوال زراعات القطن فى السنوات الأخيرة، فيقول الحاج محمد، الذى يمتلك 3 أفدنة قام بزراعتها بالقطن، بتكلفة 5 آلاف جنيه للفدان الواحد: «معرفتش أزرع محصول غير القطن، بسبب عدم وصول مياه الرى لمسقى الرى المفترض أن نروى منه أراضينا، لو كنت عارف أزرع محصول تانى كنت زرعته، لكن للأسف الأرز والذرة محاصيل تحتاج لكثير من المياه»، ويبرر وجهة نظره، قائلاً: «مش عارف المحصول هيجيب الفلوس اللى اتصرفت عليه ولّا لأ».

الحاج محمد: يحتاج لعمالة كثيفة وتكاليف مرتفعة.. والعائد أقل

واختتم الحاج محمد حديثه، مطالباً: «عاوزين البذور اللى كنا متعودين على زراعتها زمان، بذور القطن طويل التيلة، والدولة تأخذ المحصول للمصانع والمحالج مرة أخرى، عشان زراعة القطن تنهض مرة أخرى، والذهب الأبيض يستعيد عرشه».

مجدى البقرى، مُزارع بقرية الإخيوة التابعة لمركز الحسينية، يرى أن زراعة القطن تراجعت بنسبة 99% خلال السنوات القليلة الماضية، وذلك بسبب صعوبة تصريف المحصول ورداءة البذور والتقاوى، فى الوقت الذى ترتفع فيه تكلفة الزراعة والحصاد. وتابع «البقرى»: «القطن من المحاصيل الصيفية، وتتم زراعته فى الفترة من 14 مارس وحتى 15 أبريل، وعادة ما يستهلك مياهاً أقل بالمقارنة بمحاصيل الأرز والذرة، إلا أنه يحتاج إلى عمالة كثيفة، وتبلغ أجرة العامل فى اليوم الواحد 70 جنيهاً، بخلاف تكاليف الزراعة والحصاد».

 

وعن باقى تكاليف زراعة القطن، يقول «البقرى»: «الفدان يحتاج إلى تسميد وزراعة ورى من 8 إلى 10 مرات، بخلاف المبيدات الحشرية والأسمدة، وعملية الحرث تتم 3 مرات بتكلفة 700 جنيه، ويحتاج إلى 7 أو 5 شكائر أسمدة، بأسعار تتراوح بين 90 و110 جنيهات، وتطهير باستخدام مبيدات فطرية وحشرية، تتراوح تكلفة الرشة الواحدة من 500 إلى 1000 جنيه، و8 شكائر يوريا».

المشكلة فى رأى «البقرى» هى أن المزارع بعد أن يتحمل هذه التكلفة، يجد نفسه غير قادر على تصريف المحصول، بسبب تراجع الدولة عن شراء المحاصيل كما كان يحدث فى السابق، مشيراً إلى أنه قديماً كان المحصول يسمى «الذهب الأبيض»، ويعد مصدراً للدخل الأساسى، الذى يعتمد عليه المزارع. وأضاف «البقرى»: «المزارع الآن ضحية للسماسرة، الذين يشترون القطن بسعر بسيط، ويقيمون ببيعه للمحالج والشركات بأسعار أعلى، بالإضافة إلى اختفاء بذرو القطن طويل التيلة».