| «هناء» هجرها أولادها فاتجهت لبيع «الدباديب» بشوارع أكتوبر: نفسي في كشك

في أحد ميادين مدينة 6 أكتوبر، تقف سيدة خمسينية حاملة «ستاند دباديب»، بينما الابتسامة تملأ وجهها وتطلق الكثير من النكات، محاولة إخفاء جرحها الداخلي الذي تحمله وهنا بين أضلوعها، متلهفة لكسب المال ما يوفر لها قوت يومها، لتلقب بـ«سيدة الدباديب الضاحكة».

«هناء» هجرها أبنائها 

تعيش هناء شعبان في شقة صغيرة تابعة للإسكان الاجتماعي، وترافقها وحدتها بعد أن هجرها أطفالها منذ سنوات عدة، وقد خلق البعد جدارا من قسوة القلب بينهم، إذ فضلوا العيش مع والدهم بموجب الحضانة عقب الانفصال، ويصبرها على ذلك فقط إحساسها بأمانهم في ظل أبيهم، الذي كان يرى أنها تعيش داخل وسط غير مناسب ملئ بـ التسول، رغم جدها وتعبها في عملها ليلا ونهارا لتأكل لقمة عيشها بالحلال، وعندما تذهب لرؤية أبنائها يتحجج زوجها بأن لديهم دراسة ولا يريدها أن تشغلهم عنها، لتعود إلى منزلها كسيرة القلب.

رغم ذلك الألم الذي فتت قلبها مرات عديدة، إلا أنها تأمل أن يجمعها يوم بأبنائها الـ4 وزوال القسوة التي تغلف قلوبهم تجاهها، إذ قالت في حديثها يبث مباشر لـ«»: «عيالي لسه صغيرين أكبر واحد فيهم في تانية ثانوي، وعايشين مع أبوهم بقالهم كام سنة بعد ما اتطلقت منه، ومش بشوفهم غير كل حين، لحد ما قلبهم قسي عليا وبيعاملوني بطريقة وحشة، في تلاتة قاعدين مع أبوهم وواحد عايش في محافظة تانية ودا مبشفهوش خالص».

«هناء» تلجأ للدباديب لكسر وحدتها

اشتد الضيق بصدر «هناء» بين جدران منزلها التي تبعث في نفسها طاقة مميتة كادت أن تقضي عليها، فقررت أن تهون علي قلبها المجروح وخرجت إلى الشارع، لتقضي يومها بين «دباديب» صامتة وخالية من المشاعر الإنسانية، لذا اتجهت لبيعها في 6 أكتوبر بعيد تماما عن منزلها.

بينما يصعب عليها الحركة ببضاعتها فخففت الحمل عن ظهرها، وأجرت مخزنا صغيرا تحت الأرض بمبلغ 800 جنيهاً شهرياً، تضع فيه بضاعتها واستاندات من الحديد تستخدمها في عرض «الدباديب»، لتعطي شكلاً منظما وجميلا وفي نفس الوقت تشجع الزبائن على الشراء: «من الصبح بدري بشيل الاستاندات على ضهري وباخد وقت طويل عشان تقيلة عليا، وبعلق عليهم الدباديب وأقف أبيع في الشارع لحد الساعة 2 بعد نص الليل».

سيدة الدباديب الضاحكة

مع الوقت تمكنت من اكتساب طريقة خاصة لإقناع الزبائن بشراء بضاعتها، إذ تمزج الحب بالعفوية لتنتج نوعا من الكوميديا الحزينة، وهو أصعب ما يواجهها عندما تبتسم في وجه آخرين وتلقي عليهم بعض النكات، رغم أن هموم الدنيا تثقل قلبها: «بضحك الناس يعني مثلاً حد يجي يشتري أقوله عايزة عريس أو أنا قاعدة في المول بتاعي، وأنا ببيع الدبدوب بـ60 جنيه وبكسب في الواحد 11 جنيه».

تحلم «هناء» بكشك صغير يرحمها من حمل «الاستاندات» الثقيلة، وأن يحمي رأسها من حرارة الشمس الملتهبة وبرودة الجو والأمطار الغزيرة: «أنا عندي الدوالي في رجلي مش قادرة أشيل حديد وألف بيه، ومقدرش أشحت ولا أمد ايدي لحد عشان عزة نفسي».