في ١٦ كانون الأول من العام الماضي صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ١٦٨ دولة لصالح قرار يؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وعارضته 6 دول فقط هي الولايات المتحدة، إسرائيل، تشاد، وجزر مارشال، وميكرونيزيا، وناورو، بينما امتنعت عن التصويت ٩ دول فقط وتغيبت عنه ١٠ دول.
في ٣٠ كانون الأول من نفس العام، صوتت ٨٧ دولة لصالح قرار يطلب من محكمة العدل الدولية تقديم رأي قانوني بشأن الآثار الناجمة عن انتهاك الاحتلال الإسرائيلي لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره من ضمن أشياء أخرى، مثل تأثير احتلال إسرائيل الطويل واستيطانها وإجراءاتها في الأراضي المحتلة بما فيها القدس على الوضع القانوني لهذه الأراضي.
اللافت للانتباه أن عدد الدول التي عارضت هذا القرار الذي يحمل رقم (٧٧/٤٠٠) كان ٢٦ دولة فيما امتنعت ٥٣ دولة عن التصويت، وتغيبت عنه ٢٧ دولة. من المهم الملاحظة هنا أن عدد الدول التي يحق لها التصويت في الأمم المتحدة هي ١٩٣ دولة.
هذا القرار جاء بناء على توصيات اللجنة الرابعة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي وحصل حينها على تأييد ٩٨ دولة، ومعارضة ١٧، وامتناع ٥٢ دولة عن التصويت.
بلا جدال هذا القرار الأممي انتصار للحق الفلسطيني وهو قرار يبنى بعد تقديم رأي قانوني من محكمة العدل الدولية، وهي عملية قد تأخذ وقتاً يتراوح ما بين سنة إلى اثنتين وفق كلام الخبراء القانونيين.
لكن الفرحة بهذا الانتصار يجب ألا تمنعنا عن رؤية المعاني التي تتضمنها الأرقام. هنالك ١١ دولة صوتت بداية في اللجنة لصالح القرار قبل شهر لكنها عادت وامتنعت عن التصويت لصالح القرار عندما تم طرحه في الجمعية العامة.
كذلك انتقلت ٩ دول من الامتناع عن التصويت في اللجنة الى المعارضة عندما جرى التصويت في الجمعية العمومية. بكلمات أخرى هنالك ٢٠ دولة مواقفها تغيرت لصالح إسرائيل خلال أقل من شهر.
لا نريد هنا أن نقارن بين التصويت الكاسح في الجمعية العمومية لصالح قرار حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وبين القرار الأخير لأن طبيعتهما مختلفة: الأول هو تكرار لقرار سنوي تؤكد عليه الجمعية العمومية للأمم المتحدة والدول عادة لا ترغب بتغير مواقف تعتبر كليشيهات لها، بينما القرار الأخير هو قرار جديد ويحمل بعداً قانونياً سيُبنى عليه لاحقاً.
في المقابل لا يمكن إلا ملاحظة الفرق بين التصويت في اللجنة التي اقترحت القرار الخاص بالمحكمة الدولية والتصويت على القرار عندما تم عرضه على الجمعية العمومية.
كيف حدث أن انتقلت ٢٠ دولة في أقل من بضعة أسابيع لصالح تأييد الموقف الإسرائيلي، في وقت كان الجميع في العالم يعلم أن حكومة فاشية ستحكم إسرائيل خلال أيام؟
في هذا السياق نورد بعض الملاحظات:
أولاً، مطلوب من وزارة الخارجية الفلسطينية بصفتها الجهة التي تمتلك المعلومات أن توضح ما جرى، وكيف حدث أن انتقل عدد من الدول التي كانت تؤيد القرار الى التصويت ضده او الى الامتناع عن التصويت.
ثانياً، رغم وجود انقسام فلسطيني أفقي وعمودي داخل الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده بشأن المشروع السياسي الفلسطيني وطرق النضال لتحقيق الحد الأدنى من مطالب الشعب الفلسطيني، إلا أن هنالك إجماعاً فلسطينياً على أن التأييد الدولي للحق الفلسطيني ومقاطعة إسرائيل يساهم الى حد كبير في الوصول إلى أهداف الشعب الفلسطيني.
وهذه مسألة يجب أن يُبنى عليها في توحيد الشعب الفلسطيني في الخارج على الأقل للعمل المشترك، بهدف الضغط على الدول التي تتأرجح مواقفها بين تأييد الشعب الفلسطيني وبين تأييد إسرائيل.
بإمكان وزارة الخارجية الفلسطينية هنا الدعوة لعقد مؤتمرات للجاليات الفلسطينية والعربية في الخارج وعبر سفاراتها لوضع خطط عمل لكيفية التأثير على الدولة المترددة في تأييدها للشعب الفلسطيني، ولا نعتقد هنا أن “المعارضة” ستتردد في تلبية الدعوة طالما أن المطروح في مؤتمرات كهذه هو بند وحيد، وهو ضمان تأييد الدولة التي يتواجد فيها الفلسطينيون و”العرب” للحق الفلسطيني.
ثالثاً، نعلم أن السلطة الفلسطينية تنسق عن قرب مع الدول العربية في الأمم المتحدة في نيويورك، لكن هذا التنسيق لا يكفي لإقناع الدول التي تتأرجح مواقفها بين تأييد الفلسطينيين وإسرائيل. لحسم مواقف هذه الدول لصالح فلسطين هنالك ضرورة لموقف عربي موحد، ولا نعرف على وجه التحديد ما الذي يمنع من التوجه لجامعة الدول العربية لتشكيل وفد عربي رسمي مشترك لزيارة هذه الدول والحديث معها.
بالقطع قد تعارض دول طبّعت علاقاتها بإسرائيل حديثاً هذا التوجه، لكن ذلك هو افتراض فقط، وهذه الدول ربما لا تمانع من القيام بذلك، خصوصاً وأنها تريد أن تُظهر أنها مازالت تؤيد الحق الفلسطيني رغم علاقاتها الحميمة بإسرائيل.
رابعاً، من الضروري تشكيل فهم عميق لهذه الدول المتأرجحة لكيفية التعامل معها. بعض الدول تحكمها “الأيديولوجيا” والتأثير عليها بالتالي مرتبط “بالأفكار” التي تحملها، وبعضها تحكمها “مصالحها” السياسية والاقتصادية وهذه المصالح ليس بالضرورة أن تكون مرتبطة بالغرب والتأثير عليها، بالتالي أسهل من التأثير على دول مصالحها مع الغرب. وضع خارطة واضحة بهذه الدول يجعل من السهل معرفة كيفية التأثير عليها.
باختصار، قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة بأخذ الرأي القانوني لمحكمة العدل الدولية بشأن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية انتصار للحق الفلسطيني، لكن ذلك لا يجب أن يمنعنا من رؤية حقيقة أن الكثير من الدول تنتقل من تأييدها “لنا” لتأييد إسرائيل رغم الحكومة الفاشية فيها، وهي مسألة يجب التعامل معها بجدية أكثر حتى لا نخسر تأييد العالم لنا.
ملاحظات على القرار الأممي الأخير بشأن الاحتلال..
ما رأيك؟
رائع0
لم يعجبني0
اعجبني0
غير راضي0
غير جيد0
لم افهم0
لا اهتم0
هل لديك سؤال؟
تابعنا على السوشيال ميديا او اتصل بنا وسوف نرد على تساؤلاتك في اقرب وقت ممكن.