آسيا والمحيط الهادئ تعيد تشكيل سياستها الدفاعية

بعد وصول سفينتي شحن إلى أحد الموانى الأوكرانية بعد انسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب، قال أولكسندر كوبراكوف، نائب رئيس الوزراء الأوكراني، إن كييف ستسلم نحو 20 ألف طن من القمح إلى دول في إفريقيا وآسيا، بينما يستمر تأثير الغزو الروسي لأوكرانيا وتداعياته العسكرية على منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ويفسر ذلك تحليل، أجراه المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية (IISS)، الذي يذكر صعوبة فصل تأثير الحرب الأوكرانية على السياسات والمواقف الدفاعية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتأثير المخاوف الموازية بشأن البيئة الأمنية الإقليمية التي يُنظر إليها على أنها متدهورة. لذا تعمل الحكومات في مختلف أنحاء منطقة آسيا والمحيط الهادئ على إعادة تشكيل سياساتها الدفاعية.

البُعد الأول

يشير التحليل إلى أن الواقع المطلق لاندلاع حرب واسعةالنطاق وطويلة الأمد بين الدول في أوروبا (حيث كان ذلك غير متوقع إلى حد كبير) يزود بعض حكومات آسيا والمحيط الهادئ بأسباب إضافية، أو على الأقل مبررات، لزيادة قواتها العسكرية، وبذل جهود من أجل ردع أو توفير دفاع أفضل ضد التهديدات الموجودة مسبقًا في منطقتهم. ويُنظر إلى بؤر التوتر الأكثر ترجيحًا في تايوان وجنوب وشرق بحر الصين وشبه الجزيرة الكورية.

وقد ظهرت أول إستراتيجية للأمن القومي في طوكيو، وأعلنت في ديسمبر2022، لأن أخطر التهديدات المباشرة لليابان تأتي من الصين وكوريا الشمالية. مع ذلك، أوضحت أن هجوم روسيا على أوكرانيا أظهر أن المجتمع الدولي يواجه «تحديات خطيرة»، وأن اليابان بحاجة إلى اتخاذ إجراءات «مستقلة ومتماسكة».

وذكرت إستراتيجية الأمن القومي أن اليابان تعتزم زيادة إنفاقها على الدفاع والمبادرات الأخرى المتعلقة بالأمن القومي، ليصل إلى %2 من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2027، وهو ما يعني زيادة %60، مقارنة بالسنوات الخمس السابقة.

الدعم الخارجي

كما أظهرت الحرب في أوكرانيا أهمية الدعم الخارجي، والقدرة الصناعية الدفاعية الوطنية، الأمر الذي أثر بوضوح على التفكير في هذه الأمور بين المؤسسات الدفاعية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

ومرة أخرى، يذكر التحليل أنه من الصعب فصل تأثير الحرب عن المخاوف المتعلقة بالبيئة الأمنية الإقليمية. وقد سهّل ذلك منذ 2022 تشديد العلاقات الدفاعية للولايات المتحدة مع أهم حلفائها وشركائها الإقليميين، ليس فقط أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، ولكن أيضا تايوان والفلبين، حيث إن كلا منهما تتمتع بعلاقات جيدة مع واشنطن.

في الوقت نفسه، ومع استمرار الحرب في أوكرانيا خلال الفترة 2022-2023، من الواضح أن بعض المؤسسات الدفاعية في المنطقة ركزت بشكل أكثر وضوحًا على الآثار العملية المحتملة للحرب الطويلة في حالاتها الخاصة.

ويقال إن التفكير في مدى ضعف خطوط الإمداد الأسترالية دفع مؤلفي المراجعة الإستراتيجية الدفاعية إلى إيلاء قدر كبير من الاهتمام لمسألة كيفية دعم القوات المسلحة للبلاد في أي صراع مستقبلي. وأكدت المراجعة أنه يتعين على أستراليا أن تزيد بسرعة من جهودها، لإنشاء قدرة تصنيع محلية للأسلحة الموجهة والذخائر المتفجرة.

وشددت إستراتيجية طوكيو الجديدة على الحاجة الملحة إلى ضمان امتلاك قوات الدفاع الذاتي اليابانية «الاستدامة القتالية» في شكل قدرة إنتاجية معززة لـ«الذخائر ذات الأولوية العالية»، فضلا عن مخزون كافٍ من الذخيرة وقطع الغيار والوقود.

الأسلحة الحديثة

فيما يتعلق بمدى نجاح الاستخدام الذي حظي بتغطية إعلامية واسعة النطاق للأسلحة الحديثة المضادة للدروع والأسلحة المضادة للطائرات والسفن، فضلا عن الأنظمة الجوية والبحرية غير المأهولة وأنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة التوجيه بدقة في حرب أوكرانيا، يفسر التحليل أن الدروس العملياتية ذات الصلة للقوات المسلحة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، والآثار المترتبة على أنواع القدرات التي تحتاج لتعزيزها، أظهرتها الحرب في أوكرانيا، وأن المركبات المدرعة والطائرات والمروحيات المستخدمة في الدعم الجوي المباشر والسفن السطحية أصبحت جميعها أكثر عرضة من أي وقت مضى للأسلحة الموجهة غير المكلفة نسبيا، وأن الاستخدام الصحيح للمنصات مثل استخدام دبابات القتال الرئيسية كمكونات لعمليات الأسلحة المشتركة جيدة التنظيم والإدارة قد يؤدي على الأقل في تجنب بعض مزايا الأسلحة الدفاعية.

وعلى نحو مماثل، قد تكون القوة الجوية الهجومية ــ التي تم تحييدها إلى حد كبير فوق أوكرانيا سواء كانت تديرها القوات الجوية الروسية أو الأوكرانية ــ أكثر فاعلية إذا اشتملت على قدرات لقمع الدفاعات الجوية المعارضة.

وقد تكون السفن السطحية غير المأهولة التي تستخدمها أوكرانيا ضد السفن الحربية الروسية عرضة للإجراءات الإلكترونية المضادة، سواء كانت تديرها القوات الجوية الروسية أو الأوكرانية، ويمكن أن تكون أكثر فاعلية إذا شملت قدرات على قمع الدفاعات الجوية المعارضة.

تجارة المعدات

يبين التحليل تأثيرالصراع الأوكراني على تجارة المعدات الدفاعية إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وأن تأثيره يشكل على إمدادات الأسلحة الروسية مسألة بالغة الأهمية بالنسبة لبعض مؤسسات الدفاع الوطني في المنطقة.

بينما تعد الحالة الصينية حالة خاصة، حيث أدت الحرب إلى تعاون ثنائي مكثف مع روسيا في مجال التكنولوجيا والمعدات العسكرية.

وفرض عقوبات أكثر صرامة، بقيادة الغرب، منذ ذلك الحين على قطاع الصناعات الدفاعية في روسيا كان سببا في تشجيع دول آسيوية أخرى ــ وتحديدا الهند وإندونيسيا والهند وماليزيا وفيتنام – على تقليل اعتماد قواتها المسلحة على واردات الأسلحة الروسية.

وعلى المدى المتوسط، فإن صعوبة أو حتى استحالة ضمان إمدادات قطع الغيار الروسية من المرجح أن تعني أن بعض المعدات التي توفرها موسكو ستتقاعد قبل الأوان. وفي بعض الحالات، قد يؤدي هذا إلى عمليات شراء إضافية من مصادر غير روسية، وصناعات الدفاع الوطني في البلدان المعنية.

الحرب الروسية – الأوكرانية

تصورات التهديد الإقليمي هي المحرك الرئيسي للحشد العسكري المستمر في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

اجتمعت تداعيات الحرب في أوكرانيا مع المخاوف الحالية الخاصة بالمنطقة، لإبراز الاتجاه الحالي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ نحو زيادة الإنفاق الدفاعي. شجعت الدول الإقليمية على إعادة النظر في استدامة قواتها المسلحة، فضلا عن العقيدة التشغيلية ومخزونات المعدات.

كلما طال أمد الحرب زاد عمق تأثيرها على تطوير القوات المسلحة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وقدراتها.