آفة حارتنا النسيان؟! ،،، محمد سالم

– في نهايات عام 1959 أكمل نجيب محفوظ روايته الهامة أولاد حارتنا التي وردت فيها الجملة الشهيرة “لكن آفة حارتنا النسيان”.

– عم عشم مواطن ضعيف الحيلة في دنيا الشطار والوصوليين. قال لي : طيب..  والله العظيم .. تلاتة بالله العظيم، قضيتنا شريفة وعادلة .. لكن متسلط عليها شوية حرامية بلا قلب ولا ضمير، وعقولهم إجرامية فئوية. حزبية، ولا يعملون لصالح قضيتهم . وكدابين كدب الأبل، من أبو المفهومية، وأبو العرّيف؛ وأبو وشّين، إلى..أبو جلمبو؛ وأبو رجل مسلوخة! وابو فصادة وابو قردان وابو الهوا وابو العتاهية وأبو فراسه وأبو قلب مهفف.. وابو الطاقية الشبيكة وابو الاسماك؛ لم نرى منها سوى قسوة بالغة وجبايات وجنايات ومؤتمرات وخطب؛ فعليا خراب للقضية ودمار أجيال جسديا ومعنويا لم يقم بمثله الأعداء.

– قلت: النسيان واجب يا عم عشم .. في ظل انتصار حاسم لسياسات القطيع.. فلاصوت يعلو فوق صوت الانقسام. ليصبح الانفصال السياسي خالدا كما هو الانفصال الجغرافي قائما. ونسيان صوت الشعب الذي لم ولن ينتخب ممثليه، النسيان واجب للمواطن المحروم من حقوقه السياسية، بطريقة حربية وصفرية، واجتثاث الحقوق بروح استئصال الشأفة؛ فكل المظالم وقعت عليه، وباسم الانقسام ألغيت كل حرية!! النسيان واجب، بعد ان تحول الوطن إلى معتقل كبير في ظل ثبات ورسوخ مخطط الانقسام الصهيوني، والاستبداد والعنصرية الحزبية، ونزيف القضية.

– قال:  في أوضاع مماثلة لما يحدث، مما جعل فيلسوفا كبيرا مثل “الدكتور عبد الرحمن البدوي” يسجل في سيرته الذاتية تحت عنوان: “اليأس التام” ملاحظاته على الاوضاع : “يئست من كل شيء: حاكم طاغية وشعب مسلوب العقل والارادة وطبقة متعلمة تتنافس في تملق الحكام. نعم قد يزول حاكم بعد وقت ربما يكون قصيرا، لكن لن يتغير شيء كثير لأن داء الاستبداد قد تمكن من نظام الحكم فصار من العسير اقتلاعه. فحتى لو جاء حاكم جديد مستنير عادل فسرعان ما تلتف حوله حاشية من الانتهازيين كأعشاب العليق يضعون بينه وبين الحق والعدل حواجز بعد الحواجز ويملأونه غرورا حتى يصدق ما تقوله ألسنتهم الكذب. ومهما أوتي من صلابة الخلق فإنه عما قليل سيجرفه تيار الكذب بحيث يكون هو نفسه اول المصدقين”.

– قلت: حينما نعرف ان سبب الصراع – مخطط الانقسام- القائم على أساس احتكار السلطة والثروة، وتأكيد الانقسام السياسي، والانفصال الجغرافي، وان الاجتماعات والمؤتمرات و النقاشات والبيانات الطفولية النزقة التي تصدر عن مواقف غاضبة أو عن سيناريوهات ليلية يفكر فيها بعض الأفراد الذين يستطيعون النوم بسهولة؛ حول الكذبة الكبرى- الوحدة الوطنية- والحفاظ على القضية موحدة، مجرد اوهام ومخدرات تلقى للعامة، حتى ينصرفوا عن جذور المشكلة. ان معرفة حقيقة الصراع الحزبي السياسي ومخطط الانقسام الصهيوني، هي التي تحررنا من ان نعيش كصفر كبير على شمال الاحداث. التحرر من مخطط الخراب الشرط الوحيد الذي يجعلنا نحيا ونموت كبشر.

– قال:  سيأتي يوم نتحدث فيه عن هؤلاء الذين أفسدوا قضية أمة، ووقفوا حال البلاد والعباد، وحولوا قضييتنا إلى حفلات ومؤتمرات، وخطب صاخبة كاذبة تسيء للكل. سيأتي يوم نتحدث فيه عن هؤلاء الذين تآمروا على الشعب لصالح آخرين، فأقصوا الكفاءات واستخدموا الإمعات، وأخضعوا كل شيء لأهوائهم الحزبية العنصرية ، سيأتي يوم نتحدث فيه عن هؤلاء الذين قطعوا الأرزاق وقتلوا الإنتماء واتبعوا النزوات وشوهوا أصحاب الرؤى، ودفعت القضية  فاتورة فشلهم ؛ واصبحت أسوأ مما كانت عليه ..فكل لاحق أسوأ من السابق ، ويتوالى الانحدار متواصلاً دون انقطاع.

– سيأتي يوم نتحدث فيه عن مواطن محروم من حقوقه السياسية.. مواطن اختفت معالمه.. اختفت حياته، فلم يعد الشعب مصدر السلطات، ولم تعد هناك تعددية ولا انتخابات. فقط .قانون الغاب، مواطن يكشف الحقائق الفاجعة، من احتلال صهيوني، إلى انقسام و فساد، و رشوة وارتجال، و دجل سياسي وتسلط، وفوضى و استهتار، و ضرائب مزدوجة وخراب و جباية متوحشة، واستحلال للمال العام.

 
سيأتي يوم نتحدث فيه عن خطة الانقسام.. كوحدة من كبرى حماقات هؤلاء ، وعدم تقدير منهم للمصلحة الوطنية العليا، و عن تلك الايام الكئيبة بعد ان تحول الامر إلى ما يشبه الدجل السياسي، و الخصومات الشخصية بين بعضهم!!

– سيأتي يوم نتحدث فيه عن طوابير المصالح التي زحفت لتضع خبراتها – او بمعنى أدق مصالحها وجهلها- في خدمة السادة الجدد لتبرير كل ما يفعلونه، و كل الذين أفسدوا حياتنا، وظل هذا الموطن في طي النسيان .. و الظل، و كان من الأجدر بحكم الكفاءة والتضحية والانتماء أن يكون في طليعة من يحيطون القضيه بعيد عن أصحاب الأجندات. سيأتي يوما يزيل عن قضيتنا. ما تراكم من ثلوج الانقسام، وسخام التطبيع، وغبار الأيام ومن سواد الذكريات.
    – قال : النسيان.. مأساة وكارثة تستوجب التغيير، فالكارثة هي النتيجة الحتمية لصناعة مخطط الانقسام, وهنا لا ننسى، أو كي لا ننسي، اهمية التأريخ لفترة من حياتنا دفعنا ثمنها غاليا، لا ننسى ..أن نستوعب الدرس وندرك الخطر ، ونتدارك أنفسنا أو ما تبقى منها، أن نعرف الجناة ونحاصرهم ، فلا يتغلغلوا في قضينا وحياتنا من جديد ويدفعونا من جديد إلى منزلق الهاوية بل وأكثر من هذا ألا يمضوا بلا محاكمة وحساب، حتى لا ييأس الناس من العدل والجزاء الرادع و لا تسود شريعة الغاب. فالزمن يوثق  لمرحلة انتقالية صعبة، لفترة غامضة مرتبكة، وفساد حداثي عصري، وصدمات اقتصادية وسياسية منهكة.    – كنت أحاول أن أفهم ما يحدث بسؤال عم عشم، فكانت الكلمات مرار بطعم الخراب، ولون السخام و الملل المحيط، قلت: كم تستغرق الفترة الانتقالية لتجاوز كل ذلك وعلاج كل ما شهده الإنسان هنا من ألم واستبداد وفساد وخراب وانقسام.

 – قال: انظر ..لو ارتكبت خطأ في حياتك لمدة عام فلابد لك من عام تال على الأقل لإصلاح الخطأ وتجاوزه، والأمر أصعب في حالة الشعوب، الأخطاء تستغرق أوقاتا أطول للعلاج والتعافي من التداعيات، وإذا كانت مدة التجربة التي أضرت بالإنسان قد استمرت هنا اكثر من سبعين سنة فلابد ألا تتوقع تعافيا قبل مرور سبعين سنة أخرى. والمهم أن تبدأ رحلة التعافي، فكل يوم جديد في المرض يضاعف الفترات التي سنهدرها في المستقبل لعلاج الماضي قبل بداية أية خطوة للأمام.. لكن آفة حارتنا النسيان!!