أوقفوا صناعة الحمقى وتصديرهم للمجتمع

في الوقت الذي أخلت فيه الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع مسؤوليتها عن إقامة ملتقى إعلامي لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك في بيانها رسمياً، الذي أشارت خلاله إلى أنه «نظراً لما يتم تداوله عن رعاية رسمية لملتقى إعلامي، وتكريم لبعض مستخدمي التواصل الاجتماعي، تؤكد الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع أن هذا غير صحيح، وأن الفعالية غير مرخصة، وجار استدعاء الجهات المنظمة واتخاذ الإجراءات النظامية بحقها». وجدد متخصصون من كافة أطياف المجتمع مطالباتهم بإلحاق العقوبات ضد من أسموهم «المنتفعين»، الذين يقدمون «محتوى هابطاً، استعراض مفاتن»، في وسائل التواصل الاجتماعي، مشيرين إلى ضرورة التوقف عن صناعة الحمقى والأغبياء مشهورين، مشيرين إلى أن بعض الشركات والملتقيات غير رسمية وغير مصرح لها؛ تستهدف دعوة هؤلاء لمزيد من الإعلان والتسويق والترويج. ودعوا إلى ضرورة زيادة دور الرقابة الإعلاميّة وضبط قواعد وأنظمة تلك الملتقيات.

تفاهة وتسطيح وكسب مادي

قال أستاذ الإدارة التربوية بجامعة أم القرى الدكتور محمد الثبيتي: «لا أعتقد أنَّ ثمة واعياً وموضوعياً يمنح الإيجابية لهذه الممارسات، التي لا تتسق مع أبسط قواعد المنطقية في التفاعل مع الأحداث، والملفت ليس مُجتمعنا الذي تحكمه قيم وعادات وقبلها معتقد بذاته هو مَن يُعاني من مثل هذه السلوكيات، بل حتى المجتمعات المتحررة مثل أمريكا وأوروبا وكندا، فقد انتشر فيها أخيراً لوحات تعبيرية مكتوب فيها: stop making stupid people famous ومعناها: توقف عن جعل الناس الأغبياء مشهورين!

فتصدُّر هذه الفئة التي أطلقتُ عليها «الأبطال الهلاميين»، هو جريمة في حق الأجيال المُتعطشّة لكل جديد، فلك أنْ تتخيل أن يكون مصدره هؤلاء السطحيين في فكرهم وممارساتهم.

ونوه بقوله: «لعل من نافلة القول أن نقول لكل مُنصِف عليك الاطلاع على حساباتهم في السوشيال ميديا؛ لتكتشف أن التفاهة والتسطيح تتقاطعان مع أغلب هذه الحسابات التي استهدفت الكسب المادي بعيداً كل البعد عن وعيهم بالتداعيات السلبية التي ستنتج عمّا يقومون به والمتمثلة في هدم القيم وتقويض المبادئ».

إقحام مسيء وتغييب للفكر

وأضاف المحاضر بجامعة الإمام ومقدم برنامج في الإخبارية الإعلامي عبدالله الغنمي: «مسمى إعلامي ليس وظيفة، هي صفة لمن يعمل في أي مهنة متصلة بالإعلام، فالإعلام صحفيا، كاتباً، مصوراً، مذيعاً، وليس سنابياً ولا مغرداً، أما إقحامهم فهذا مسيء، تخيّل أن يتم استدعاء شخص بالأمس يعلن عن ملابس داخلية، واليوم يتكلم عن جهود وزارة تقدم عملاً عظيماً، وهذا لا يحصل في أي مكان؛ لذلك تعمل الجهات، والوزارات حالياً عملاً مختلفاً من خلال حساباتها الرسمية في تويتر وسناب يدعو للفخر».

وبين الصحفي بجريدة الرياض محمد الحيدر بقوله: «قد يبدو طبيعياً أن يلجأ الكثيرون إلى منصات التواصل الاجتماعي عند الترويج لحدث ما، أو سلعة ما، ولكن الملفت أن نجد فعاليات تقيمها وزارات وهيئات يتصدر المشهد فيها مشاهير السناب وأصحاب الحسابات الشهيرة على تويتر ووسائل التواصل الأخرى بدعوى أن هؤلاء قادرون على الترويج للحدث وإضفاء زخم جماهيري عليه، وأرى أن هذا الفكر رغم وجهاته إلا أنه يفرّغ الحدث من مضمونه، فيهتمون بالشكل الخارجي بعيداً عن إضفاء زخم معرفي ثقافي للحدث نفسه، فنرى تغييباً للمثقفين وأصحاب الفكر والرأي عن عمد، وكأن المجتمع أصبح في حاجة إلى ثقافة الصورة المجوّفة الخالية من المضمون».

اتساع دائرة دخلاء المهنة

وأفادت المذيعة والإعلامية خديجة الوعل، أن لكل مجال ولكل مهنة دخلاء، وفي مجال الإعلام اتسعت الدائرة جداً، وساهمت منصات مهمة وعظيمة للأسف في نشر محتواهم المسيء؛ لأنه الأكثر مشاهدة، وإذا تحدثنا بلغة الأرقام نجد بالفعل أن مشاهدات المحتوى السطحي أكثر من مشاهدات المحتوى الهادف، وهذا الخطر لم نعه مبكراً؛ لذلك زاد الاستمرار في رفعهم ومنحهم مساحة كبيرة في إعلامنا، وأصبح هؤلاء للأسف هم من يتصدرون المشهد الإعلامي.

وذكرت أنه مما ساهم في انتشار هؤلاء وتوغلهم هو ندرة الملتقيات الإعلامية والثقافية؛ لذا ينبغي علينا الانتباه لخطورة أمثال هؤلاء الدخلاء على مهنة الإعلام وما يسببونه من تشويه لهذه القيمة والرسالة السامية، لاسيما أننا نعرف أن الإعلام الجديد له صناعه المحترفون وله قيمته المحفوظة.

خلط بين الوسيلة والإعلامي

الدكتورة منى العتيبي الباحثة في اتجاهات الإعلام الجديد ذكرت قائلة: «هناك خلط بين مشهور منصات التواصل الاجتماعي وكون منصات التواصل الاجتماعي أحد أنواع ووسائل الإعلام الجديد، فالإعلام الجديد لا يعني الوسيلة الإعلامية منفردة عن الإعلامي المتخصص أو المؤسسة الإعلامية المعتمدة، إنما هو الوسائل الجديدة، التي تعمل على أساسها العملية الإعلامية الاتصالية، ويسمى أيضاً بالإعلام التفاعلي، أو الإعلام المباشر بين الإعلام والجماهير، وهذا هو ما سبب الخلط بين الإعلامي والشخص المشهور ذلك الإنسان العادي الذي يستخدم منصته الخاصة ويصنع له جماهيرية، ومن هذا الجهل للأسف جرى دخول المشاهير في باب ومجال الإعلام وانتحالهم للقب (إعلامي)، وتقديمهم على أساس ذلك، رغم عدم وجود الشغف الإعلامي والموهبة والممارسة والتخصص».

واستطردت العتيبي قائلة: «بالنسبة لمسألة إقحامهم من قبل الشركات في مناسبات وملتقيات غير رسمية وغير مصرح لها تحمل مسميات رنانة؛ بهدف الإعلان والتسويق واستهداف جماهيريتهم، هذا الأمر يعود إلى ضعف الرقابة الإعلاميّة وغياب الأنظمة والقوانين والغياب الأدهى هو «الحوكمة»؛ إذ لا توجد حوكمة إعلامية اتصالية تضبط قواعد وأنظمة هذه الملتقيات من جهة معايير العلاقة بين الإعلام والشخص المشهور والمؤثر».

تجاوزات المشاهير تحتاج ضبطاً

وبين الباحث في شؤون الإعلام والمحاضر بقسم الصحافة والإعلام بجامعة جازان حسن أبو شريفة، أن منصات التواصل الاجتماعي أتاحت الأدوات والتقنيات الحديثة للجماهير بمختلف فئاتهم؛ لكي يصنعوا رسائلهم الخاصة ويقوموا بمشاركتها مع من يتابعونهم على مختلف المنصات، وهذا هو السبب الرئيسي الذي مكن العديد من مشاهير التواصل من اقتحام مجال الإعلام بفضل وجود الأدوات والتقنيات المتاحة؛ بحثاً عن الأضواء والشهرة، متجاوزين بذلك الأخلاقيات الإعلامية التي تضبط الممارسات المهنية، وتضمن عدم وجود أي تجاوزات من أي فرد، وللأسف فإن واقع مهنة الإعلام اليوم يشهد مرحلة صعبة تحتاج تصحيحاً وحماية من دخلاء المهنة الذين اكتسحوا المنصات بتقديم محتوى لا يفيد المتلقي، ويحمل في طياته الكثير من التجاوزات في عدم تحري مصداقية المعلومات وافتعال الأحداث وخداع الآخرين والبحث عن الأضواء الإعلامية بمختلف الأساليب، في ظل غياب التشريعات والقوانين المنظمة التي يجب أن تحد من انتهاك مهنة الإعلام. وأفاد أن تجاوزات بعض المشاهير والجدل الذي حدث حولها أخيراً على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، وأثار موجات غضب بين الجماهير انتهت بتحرك الجهات الرسمية وفرض العقوبات الرادعة، يستلزم تدخل هيئة الإعلام المرئي والمسموع بوضع مبادئ أخلاقية تنظم العمل الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي من قبل مشاهير التواصل، وذلك بوضع تشريعات جديدة تنظم العمل الإعلامي والإعلاني في منصات التواصل الاجتماعي أو منصات الإعلام الجديد.

«هيئة الصحفيين السعوديين».. تتبرأ

محمد سعود (الرياض) okaz_online@

تبرأت هيئة الصحفيين السعوديين من الملتقى الذي أقيم عن الإعلام الجديد، إذ قالت في بيان لها: «نود التوضيح أنه سبق أن وردنا خطاب من المدير العام لمؤسسة «خبرات وأرقام لتنظيم المعارض والمؤتمرات»، الجهة المكلفة بتنظيم الملتقى في أن تسهم الهيئة شرفياً ومنبرياً بما تراه مواكباً لفكرة الملتقى وأهدافه. وركز الخطاب على مضامين إعلامية تخدم الأهداف التي تسعى الهيئة والعديد من المؤسسات الإعلامية لتعزيزها بما نصه: نفيدكم أننا نتوجه بالعمل لإقامة ملتقى تحت مسمى/‏ ملتقى الإعلام الجديد (صناعة المحتوى فن) وذلك في قاعة الاحتفالات بمنتجع بان بارك الرياض بتاريخ مقترح 16 /‏ 6 /‏ 2022، ويجمع عدداً من الأكاديميين والإعلاميين والخبراء والمثقفين من السعودية والوطن العربي للحديث عن واقع ومستقبل الإعلام الجديد والتحديات والعقبات، وسبل تخطيها لخدمة الأهداف الدينية والفكرية والوطنية والثقافية والفنية والترفيهية وتنمية وازدهار الأوطان والشعوب ومواكبة الطموح والمساهمة في تحقيق أهداف رؤية الوطن 2030، من خلال التأكيد على أهمية الارتقاء بصناعة المحتوى باعتباره الطريق إلى الاستدامة. وأنه سيتم استضافة 300 من النخب الثقافية والفكرية والإعلامية والفنية ومشاهير وسيدات ورجال المجتمع والأعمال وممثلي وسائل الإعلام المختلفة. ورغم أن الهيئة لم تشارك بمتحدث، وليس لها علاقة ببرنامج الملتقى، ولا الأسماء التي تم تكريمها، ولم تطلب الهيئة وضع شعارها، بل جاء اجتهاداً من الجهة المنظمة كتكريم للهيئة بصفتها، وفق ما يرونه، أنها: بكونها من أهم الصروح المعنية بالشؤون الإعلامية بقطاعاتها المختلفة، فقد التبس على الكثيرين وجود اسم هيئة الصحفيين اعتقاداً منهم أن لها دوراً رئيسيا في الملتقى، والواقع خلاف ذلك».

«مطالبات إعلامية»

سن التشريعات المنظمة للحد من انتهاك مهنة الإعلام

الارتقاء بصناعة المحتوى والابتعاد عن الهابط والمبتذل

زيادة الرقابة على ما يقدم في السوشيال ميديا

إضفاء زخم معرفي ثقافي على محتوى مشاهير التواصل