إسرائيليون يخشون تبعات المحكمة الدولية: رائحة نتنة ستلازم تل أبيب بعد قرار لاهاي

يواصل قرارُ محكمة العدل الدولية في لاهاي إثارة أصداء واسعة في إسرائيل أيضاً، فقد اعتَبرَ عددٌ كبير من المراقبين والمعلقين الإسرائيليين، اليوم، أنه بمثابة “بطاقة تحذير صفراء” تنطوي على مكسب عملياتي– عسكري مهم بالنسبة لها في الوقت الحالي، وعلى دلالة خطيرة من ناحية دبلوماسية مستقبلاً.

وتؤكد صحيفة “هآرتس”، في افتتاحيتها، اليوم، بعنوان “بطاقة صفراء” أن على إسرائيل أن تمتنع عن المساس بالمدنيين الفلسطينيين بدافع الحفاظ على إنسانيتها هي، وليس خوفاً من المحكمة الدولية”.

وبذلك تغرّد “هآرتس” خارج السرب الإعلامي والسياسي في إسرائيل، مشدّدة على ضرورة الالتزام بالمعايير الأخلاقية والإنسانية لا على معايير الربح والخسارة.

وتتوقع “هآرتس”، في واحد من تقاريرها، أن “تقوم إسرائيل بتبليغ المحكمة الدولية أنها تقوم أصلاً، ومن قبل صدور قرارها، بتطبيق الأوامر الاحترازية ضمن احترامها القانون الدولي”.

ويرى المحاضر في الحقوق البروفيسور مردخاي كريمنتسر أن قرار لاهاي يحقق مكسباً لإسرائيل إلى حدّ معين، لكنه إشارة تحذير للمستقبل.

في مقاله المنشور في صحيفة “هآرتس”، اليوم الأحد، يقول كريمنتسر، وهو خبير في القضاء العسكري والجنائي، إن المحكمة الدولية امتنعت عن الأمر بوقف القتال في القطاع، لكنها أمرت بتمكين إدخال المساعدة الإنسانية، ومعالجة خطاب الكراهية الخطير والمريض داخل إسرائيل، منبهةً إلى أن نزعَ الشرعية عن الغزيين مستنقعٌ لاقتراف جرائم ضدهم، حتى وإن لم ترتق لإبادة شعب”.

ويضيف كريمنتسر، في استعراضه لخطورة القرار: “صحيح أن قرار المحكمة بالأغلبية الساحقة للقضاة حول تورّط إسرائيل المحتمل في إبادة شعب هو أمر إحصائي يستند على مستوى متدن من الأدلة، ولكن الرائحة النتنة التي تلازم إسرائيل بعد القرار نتيجة هذا القرار الدولي تملأ قلوب كارهيها بالسرور”.

موضحاً أن القرار يستند إلى معطيات وتقارير أممية تصف حجم وقوة المساس بالمدنيين الفلسطينيين نتيجة الحرب، وعلى تصريحات قادة إسرائيليين كبار.

في مقاله الخاص يقول محرر “هآرتس” ألوف بن إنَّ مجرد عرض إسرائيل كمشتبهة بإبادة شعب هو انتصار لحركة المقاطعة الدولية ضدها، محمّلاً رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو المسؤولية.

ويوضح ألوف بن أنَّ “نتنياهو سبق ووعد الإسرائيليين بتعزيز إسرائيل، لكنه دفعها عملياً لتكون دولة إجرامية، بعدما عرضها القضاة كدولة مشتبهة بقتل شعب”، معتبراً أن “تصريح المحكمة بمواصلة الحرب ربما يتضح أنه مصيدة”.

ويتقاطع معه الكاتب المعلق الصحفي جدعون ليفي، الذي يؤكد هو الآخر أنها ليست الهوامش السياسية غريبة الأطوار في إسرائيل، أمثال الوزير بن غفير والجنرالين في الاحتياط غيورا آيلاند ويائير غولان، الذين دعوا للتجويع والحصار المحكم، هم الذين جرّوا إلى كرسي الاتهام في لاهاي، بل هم ساستها المركزيون هرتسوغ وغالانت وكاتس.

اعتقال مسؤولين إسرائيلين في أوروبا
بفارق يومين على القرار، وفي قراءة متريثة أكثر، يرى مراقبون إسرائيليون آخرون أن قرار لاهاي خطير على مكانة وصورة إسرائيل، منهم الكاتب المعلق الصحفي بن درور يميني، الذي يحمل، في مقال تنشره “يديعوت أحرونوت”، اليوم، على قضاة المحكمة الدولية، واصفاً إياهم بـ “أولئك الذين يرتدون بدلات وربطات ويخدمون الظلاميين”. يقول بن يميني إنه لا يوجد سبب للاحتفال، فإسرائيل لم تخرج من لاهاي بـ “سعر رخيص”.

وتبعته زميلته المعلقة الإسرائيلية طوفا تسيموكي، التي تحذّر من أن إسرائيل ستجد نفسها أمام معركة دبلوماسية طويلة، وتقول إنه رغم الرضى في إسرائيل من قرار لاهاي فإن هناك قلقاً لدى منظومتها القضائية من الضرر الذي سيلحق بصورتها في العالم. وتنضم تسيموكي للمراقبين الإسرائيليين الذين لا يستخفون بالخسارة الناجمة عن لاهاي في المعركة على الرواية والوعي، فتشير إلى ما هو عملي أيضاً؛ الخوف الإسرائيلي من إقدام دول أوروبية مجدداً على اعتقال ضباط وسياسيين إسرائيليين كبار بشهبة التورط بارتكاب جرائم حرب.

في المقابل، يشدّد المعلق السياسي، محرر الشؤون الدولية في القناة 12 العبرية، نداف أيال على مكسب إسرائيل المتمثل بامتناع المحكمة الدولية عن إصدار قرار بوقف الحرب، وبالسماح للغزيين بالعودة لديارهم في شمال القطاع قبل عودة “نازحي” غلاف غزة. ويعتبر أيال أن هناك فضلاً كبيراً للقاضي الإسرائيلي أهارون براك، الذي تصرف بذكاء، وسعى كثيراً لإقناع المحكمة بعدم إصدار بوقف الحرب.

ورغم التقارير الإسرائيلية الرسمية عن التطور لصالح الاحتلال، المتمثّل بمحاصرة خان يونس، ومحاصرة قيادة “حماس”، يرجّح شيمعون شيفر، كاتب وصحفي إسرائيلي بارز، أن إسرائيل تتجه لقبول ما كان غير معقول من قبل.

تحت عنوان “نهاية اللعبة” يقول شيمعون شيفر، محرر الشؤون السياسية في “يديعوت أحرونوت”، اليوم، إن إسرائيل، حالياً على الأقل، ستضطر للموافقة على صفقة توقف القتال، وتتيح عودة الغزيين لبيوتهم، على أن يبقى الجيش في مواقع متفق عليها، فيما ستشارك السعودية في ترميم القطاع، وتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، مقابل الإفراج عن آلاف “المخرّبين”، مقابل المخطوفين في غزة. وفي الأثناء يواصل نتنياهو عبثاً الحديث عن “انتصار قاطع”.

ويرى شيفر أنه بعد إنجاز صفقة على الإسرائيليين المطالبة بانتخابات مبكرة يقف فيها نتنياهو وزمرته أمام محكمة الناخبين.

من جهته، كان نتنياهو قد أطلّ، أمس، مكرراً قوله إن الحرب مستمرة حتى القضاء على “حماس”، مهاجماً “أوساطاً إسرائيلية تبثّ الإحباط، وتتحدث عن استحالة الانتصار في الحرب”.