إيران حافة القنبلة وإسرائيل حافة البقاء ..

تمر إسرائيل هذه الأيام بأكبر مأزق على طول تاريخها؛ مأزق الاعتراف بالفشل، وأن هناك أمة في الشرق استطاعت أن تصبح مهددة لوجودها، وأن القدرة النووية التي كانت تتفرد بها في الشرق الأوسط أصبحت هناك دولة إسلامية كـ “دولة الحافة” دون أن تكون إسرائيل قادرة على أن تفعل لها أي شي، ودون أن تجني ثمار عمليات التخريب التي قامت بها لعرقلة المشروع النووي الإيراني على الاراضي الإيرانية. ورغم أنها استطاعت في لحظة معينة أن تدخل قنبلة مغلفة في لوح رخام إلى أحد المفاعلات النووية الإيرانية وتقوم بتفجيره، وتغتال مهندس النووي الأول محسن فخري زادة؛ إلا أن العقل الإيراني استطاع خلال أكثر من عقدين أن يراوغ كل حلفاء إسرائيل ويلهيهم بمعارك جانبية، إلى أن أصبح خارج سيطرة أحد، لتصبح إيران دولة مستقلة، خصوصًا وأن فكرة الاستقلال على هذا الكوكب لم تعد بمعزل عن امتلاك القدرة النووية والقرار الند.

رئيس حكومة إسرائيل نفتالي بينت تحدث عن الأمر بصيغة التحليل، لا العربدة المعهودة على قادة الكيان، تحدث عن تخمينات، وأضاف كلامًا ليس له معنى “يبدو أن إيران وصلت إلى نقطة لم تصلها من قبل”، فهو لم يقل شيئًا، ولغبائه لا يدرك أن صاحب المشروع النووي كل يوم يصل إلى نقطة لم يصلها من ذي قبل، المشروع النووي ليس فيه تراجع، وكل خطوة للأمام تصبح خبرة شعب لا يُمكن أن تذوي إلا إذا أبيدت هذه الأمة. هو يظن بأن القدرة النووية يُمكن امتلاكها ثم فقدانها، بالفعل هذا صحيح، ولكن لمن يشتريه بالمال وليس لمن يصنعه بعقول أبناء شعبه.

تتناثر الاتهامات في دولة الكيان نتيجة الفشل، وتحميل المسؤوليات وشحذ السكاكين، رئيس وزرائهم الذي يحمّل المسؤولية لسلفه نتنياهو في مكتب رئاسة الوزراء، سيقف غدًا في الأمم المتحدة يُحدث العالم عن فقدانه السيطرة على الشرق.

منذ أن قرر شارون اختيار دان حالوتس (كان في السابق قائد سلاح الطيران) رئيسًا للأركان عام 2004، كانت الخطة هي إعداد الجيش لمواجهة السلاح النووي الإيراني، وضرب القنبلة النووية في عقر دارها، وتدمير المفاعلات في اللحظة المناسبة. لقد تم شراء الطائرات F35 وإعداد حوامات تغذية الوقود في السماء وتدريب الطيارين في صحراء تركيا ورومانيا، وفي البحار لتكون ذراع الجيش الإسرائيلي طويلة إلى أيّ حد؛ ولكن هذه اليد الطويلة أصبحت اليوم تخشى أن تقوم بأي شي ضد إيران، لأن الذراع الطويلة للجيش الإسرائيلي تخشى حزب الله من أن يأتيها الوخز من تحت إبطها، كان يُمكن استشراف الفشل من فشل رئيس الأركان المذكور في أداء سلاح الجو خلال حرب لبنان الثانية.

لم يعد أمام إسرائيل بعد هذا الفشل في منع الآخر من امتلاك القدرة غير التقليدية إلا أن تكشف عن أنها تمتلك السلاح النووي، وأن تتوقف عن سياسة الغموض والتعتيم التي انتهجها بن غوريون واستمرت إلى اليوم على الأقل، كي تحمي نفسها وتقول للإيرانيين بأن “دولة إسرائيل لا يُمكن اقتلاعها بالسلاح النووي”.

لكن المشكلة تكمن في الإسرائيليين أنفسهم، إلى أي حدّ يحتمل المجتمع الإسرائيلي البقاء تحت طائلة التهديد النووي، إذ أن هذا المجتمع لم يعد محتملًا تهديد صواريخ المقاومة في غزة، رغم وجود منظومة المضاد للصواريخ متعددة الطبقات، ورغم التحصينات المدنية؛ فكيف سيقبل البقاء في منطقة سباق تسلح نووي، ففلسطين ذات مساحة جغرافية محدودة، وقنبلة نووية واحدة تخترق المنظومة الصاروخية ربما كفيلة بأن تنهي البقاء على هذه الأرض.

عندما قررت الحركة الصهيونية إقامة كيان لهم في فلسطين، لم يفكر رائدها هرتسل بالاعتماد على القدرة النووية من أجل تثبيت الكيان وحمايته، بل اعتمد نهجًا آخر من جانب ضمان دعم الدول الكبرى وحمايتها، وكذلك بناء الإنسان اليهودي؛ وبذلك نجح في تحقيق حلمه. لكن اليوم إسرائيل لم تعد المتفردة بهذا البناء، لا من ناحية السلاح ولا الإنسان، فالمقاومة الفلسطينية وحدها استطاعت بناء الإنسان الذي ينتصر على إنسانهم، والمجتمع الذي يهدد وجود مجتمعهم.

المجتمع الإسرائيلي أصبح يتطلع لأن يقاتل الآخرون عنه، فيتمنى على العرب خلق حروب طائفية مع إيران أو أن يقوم الغرب بمهاجمة إيران بدلًا منهم لوقف مسارها النووي خلال خطوتها الأخيرة في إنتاج السلاح والاستقلال.