الائتلاف اليميني: ليس هناك احتلال مؤقت أو دائم وسنعيد “مملكة يهودا التوراتية”

معاريف – بقلم: ليئور أكرمان        مع انتهاء عملية تشكيل الحكومة الجديدة، يبدو أن الخطاب الجماهيري والإعلامي المتعلق بمستقبل الدولة يصبح ضئيلاً أكثر فأكثر. للعقل البشري طريق ثابت لتبسيط الأمور المعقدة، وتسطيح المواضيع العميقة، ولإعطائنا صورة واضحة وبسيطة ومفهومة ظاهراً للواقع المركب الذي يقف أمامنا. ومع ذلك، في عصر الهزة السياسية في جهاز الحكم في إسرائيل يبدو صحيحاً ومناسباً إجراء تحليل معمق للوضع المستقبلي وعدم الاكتفاء بتفكير سريع وحدسي.

كيف يرتبط هذا بالسياسة؟ ميلنا أن ندخل كل شيء في أنماط معروفة. اليميني هو الذي يقاتل زعماً في سبيل أمن الدولة، بينما اليساري يبيعها للعرب بالمجان. الصهيوني الديني سيحافظ على الطابع اليهودي للدولة، بينما اللوطي التل أبيبي سيجر الدولة إلى سدوم وعمورة. بن غفير سينجح حيثما فشل سابقوه وسيعيد الحوكمة للبلاد وجاء الخلاص لصهيون. من جهة أخرى، الحريديم وسموتريتش سيقيمون دولة شريعة، والعياذ بالله. هكذا يعمل العقل، هكذا يفكر كثير منا.

إذن، لما كان الطريق الأصح هو التحليل العميق للوضع والاستناد إلى الحقائق وليس إلى المعتقدات فقط، فهيا نحلل ما سيحصل هنا استناداً إلى الاتفاقات الائتلافية الموقعة والخطوط الأساس التي أعلنت فيها، دون أن نصف مسبقاً أصحاب المناصب ممن سيكونون أعضاء في هذه الحكومة.

البند الأول والبارز في الخطوط الأساس للحكومة الجديدة هو حقها في استيطان كل أجزاء بلاد إسرائيل الكاملة بما في ذلك مناطق “يهودا والسامرة”. يجدر بنا أن نضيف لهذا البند قراراً بإخضاع منسق أعمال الحكومة في “المناطق” [الضفة الغربية] لوزير المالية سموتريتش، بدلاً من وزير الدفاع ورئيس الأركان.

هذا ظاهراً بند بسيط وطبيعي لحكومة يمينية لكنه ينطوي في داخله، إذا ما تحقق فعلاً، على إمكانية ضرر هائل.

محظور لإسرائيل اليوم، حسب القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، استيطان مناطق “يهودا والسامرة” [الضفة الغربية]، التي تعرف بأنها مناطق تحت احتلال مؤقت، إلى حين تسوية نهائية لمكانتها. في ضوء كونها أرضاً محتلة، فإن الحاكم الحصري فيها هو قائد المنطقة الوسطى بصفته الحاكم العسكري.

إن فكرة إخضاع منسق أعمال الحكومة في “المناطق” للوزير سموتريتش، يعود مصدرها إلى رغبة في فرض قانون على كل سكان “المناطق” الإسرائيليين يشبه المفروض على باقي مواطني إسرائيل، لكن المقصود أن القانون سينطبق أيضاً على السكان الفلسطينيين، ما سيحول مكانة المنطقة من محتلة مؤقتاً إلى محتلة دائماً.

كل استيطان لهذه المناطق من مواطنين إسرائيليين وكل تغيير من طرف واحد لمكانة هذه المناطق، سيجر وراءه بالضرورة شجباً حاداً، بل ومقاطعة اقتصادية وسياسية من جانب معظم دول العالم. إن نقل مستوطنين جدد إلى المنطقة سيعرف كجريمة حرب، وستصدر أوامر اعتقال ضد كل رؤساء الجيش والدولة في المحكمة الدولية. فضلاً عن ذلك، سيلغي الاتحاد الأوروبي كل استثماراته في مشاريع تكنولوجية وطبية في إسرائيل، بينما ستفرض الإدارة الأمريكية قيوداً أمنية وسياسية وستمتنع عن استخدام الفيتو في مؤسسات دولية على قرارات مناهضة لإسرائيل.

وماذا عن التعليم؟ حسب وثيقة الخطوط الأساس، فإن “الحكومة ستضع التعليم في مركز سلم الأولويات الوطنية وستعمل على تحقيق إصلاحات في جهاز التعليم، في ظل المساواة بين السكان في أجهزة التعليم المختلفة وتعزيز الهوية اليهودية”، كما ستسن قانون أساس “تعليم التوراة”، وسيصبح كقيمة عليا وملزمة في كل المدارس في إسرائيل.

المعاني هي أن تعليم التوراة وتراث إسرائيل الديني سيكون ملزماً لكل تلاميذ إسرائيل، بما في ذلك في امتحانات “البجروت”، لكن تعليم المواضيع الأساس لن يكون تعليماً إلزامياً، وفئات سكانية كاملة ستقصى تماماً عن تعليم العلوم، واللغات، والتاريخ، والرياضيات ومؤهلات الحياة. عملية شبه مفاجئة في ضوء كلمة “مساواة” التي لا تجد تعبيرها في سياسة الحكومة. قانون من هذا النوع قانون غير موجود في أي دولة سليمة في العالم، باستثناء دول يعرف معظم سكانها أنفسهم بأنهم متدينون مثل الولايات المتحدة وإسبانيا.

تغيير طابع الدولة

تتضمن الاتفاقات تعهداً بأن ينص في قانون أساس على فقرة التغلب التي غايتها إلغاء تام لقدرة وقوة المحكمة العليا لتوجيه نقد قانوني أو لتقييد قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات غير متوازنة. في الصيغة الحالية وبغياب دستور لإسرائيل مثل كل دولة سليمة أخرى، معنى هذا القانون هو إلغاء تام لمعنى جهاز القضاء وإعطاء قوة هائلة وأحادية الجانب للحكم ليتخذ كل قرار يروق له، حتى لو ًتعارض تماما وقوانين حقوق الإنسان أو الحريات الأخرى للفرد.

إضافة إلى كل هذا، سيسن قانون التفافي لوقف التجارة في السبت، ما من شـأنه أن يجعل كل الأعمال التجارية العاملة في نهاية الأسبوع كمتجاوزة للقانون. وثمة بند آخر يقول إنه سيوقف كل نوع من المواصلات العامة في نهاية الأسبوع بما في ذلك تلك الموجودة اليوم.

في المسألة الدينية مطلوب أيضاً إخضاع الحاخام العسكري الرئيس للحاخام السفاردي الرئيس بدلاً من رئيس الأركان. لهذا الموضوع معنى حرج على قدرة أداء الجيش في أوضاع الأزمة. فالفصل بين الصلاحية القيادية لرئيس الأركان وبين الصلاحية الدينية الكفيلة بأن تأتي من الخارج إلى الجيش سيمس بقيمة الرسمية في الجيش وبقلب الفكرة الصهيونية التي تقبع في أساس إقامة الجيش الإسرائيلي كجيش الشعب.

وثمة بنود أخرى في الاتفاقات تسمح لكل إنسان أو مصلحة تجارية الامتناع عن تقديم خدمة لشخص أو لفئة سكانية أخرى لاعتبارات دينية أو ضميرية. والمعنى المباشر هو القدرة على إقصاء المثليين، واليساريين، والعرب أو كل شخص وفئة سكانية. اتفق على تعديل قانون العودة في هذا الموضوع، بحيث يمنع فئات سكانية يهوديتها موضع شك من الحاخامية المتشددة، ومن الهجرة إلى البلاد والزيادة المزعومة للتمثل (اختلاط اليهود بالآخرين). المعنى هو أن يهوداً كثيرين وعلمانيين بالطبع ممن هم اليوم في المنفى لن يتمكنوا من تحقيق حق العودة والسكن في إسرائيل.

ينبغي الاعتراف أنه في الاتفاقات والخطوط الأساس ما تحسن لعموم مواطني إسرائيل، مثل إقامة شبكة قطارات سريعة، وتحسين خدمات المواصلات العامة والدعم الحكومي للسفر فيها؛ وتحسين وتعزيز الأمن الداخلي في إسرائيل؛ وإعطاء تفضيل في جملة مجالات لمن خدم في الجيش الإسرائيلي؛ وتجميد أسعار ومكافحة غلاء المعيشة؛ وتعزيز السلام مع دول المنطقة وغيرها. لكن الحجم الأساس للاتفاقات الائتلافية يعنى بتحقيق مصالح قطاعية وأساساً دينية لأحزاب الائتلاف بكلفة طائلة وبشكل لا يعبر عن إرادة واحتياجات أغلبية مواطني دولة إسرائيل. شائق أن يكون بوسعنا معرفة ما يمكن عمله بعشرات مليارات الشواكل في كل سنة.

لأول مرة في تاريخ الدولة خفضت مكانة المفتش العام لشرطة إسرائيل، ونقلت صلاحياته إلى شخصية سياسية. لأول مرة منذ احتلال مناطق “يهودا والسامرة” تجرى محاولة لفرض قانون وإدارة مدنية مختلفة عليها تتعارض والقانون الدولي. إن الرغبة غير المكبوحة للاستيلاء والاحتفاظ بالحكم بكل ثمن أدت بالحزب الحاكم ورئيسه إلى الموافقة التامة على كل نزوات أحزاب وكتل الائتلاف.

لذا، فإن الحديث لا يدور عن رؤيا للآخرة مخيفة ومبالغ فيها، بل عن خطوات عملية منصوص عليها في اتفاقات موقعة بتغيير طابع الدولة. أقل ديمقراطية وتعددية ومساواة، وأقل حرية دينية، وأقل بناء وترميم أجهزة التعليم، الصحة والرفاه والبنى التحتية المواصلاتية، وبالمقابل أكثر تديناً، وعنصرية، وإقصاء فئات سكانية من الأقليات، والاقتراب من تحقيق رؤيا مملكة يهودا التوراتية، التي يتطلع لها قسم كبير من عناصر الائتلاف. رئيس الوزراء على ما يبدو لا يريد أن يصل إلى هناك، لكن مبنى الحكم واستعداده لعمل كل شيء كي يبقى على قيد الحياة في المنصب كفيلان بأن يذهبا بالدولة إلى هناك وأسرع من المتوقع.