القضية الفلسطينية.. أبرز المحطات المفصلية في عام 2021

لم يكن عام 2021 في فلسطين يشبه سابقاته، إذ إنه شهد محطات مفصلية مهمّة في عدد من جوانب القضية، بينها مواجهة الاستيطان، ونضال الأسرى، والمواجهات في الداخل المحتل.

استطاعت المقاومة الفلسطينية، في المواجهة الأخيرة، أن تؤسس معادلة جديدة في حربها ضد الاحتلال الإسرائيلي، من ضمنها أخذ المبادرة في المواجهة وتحويل القضية إلى قضية عالمية، إذ أفقدت المقاومة الاحتلال عنصري المفاجأة والمبادرة، واستلمت هي زمام المبادرة، كما أحدثت هزة كبيرة في نظريته الأمنية.

خلال معركة “سيف القدس” في أيار/مايو، أبدى مسؤولون إسرائيليون قلَقاً كبيراً، مطالبين بتعزيز “القبّة الحديدية” خشية من صواريخ حركة المقاومة الإسلامية، “حماس”.

وفي العام الأكثر سخونة للاحتلال، تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية مراراً عن أن ساحة غزة هي مجرد جزء من التهديد الذي يجب على جيش الاحتلال الإسرائيلي وأجهزة الأمن الأخرى الاستعداد له في المرة المقبلة: “مواجهة متعددة الساحات؛ في الجنوب، في الشمال، وفي يهودا والسامرة (الضفة)، لكن أيضاً مع تحديات أصعب في الداخل الإسرائيلي”.  

القدس المحتلة  وحيّ الشيخ جراح وقود “سيف القدس”

اختارت المقاومة الفلسطينية إعادة ترتيب الأوراق العسكرية والسياسية، وخصوصاً بعد مناشدة المرابطين الفلسطينيين في المسجد الأقصى قائدَ أركان “كتائب القسام”، محمد الضيف، مناصرتَهم والوقوف إلى جانبهم، بالتزامن مع خروج قضية حي الشيخ جراح إلى العلن، وانتشارها على نحو كبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

قبل بدء المعركة بساعة واحدة، وجّه قائد أركان “كتائب القسام” محمد الضيف تحذيراً نهائياً وأخيراً إلى الاحتلال الإسرائيلي ما لم يتوقّف عن استفزازاته، وأمهله من أجل سحب المستوطنين الذين يتجهّزون بالآلاف لاقتحام المسجد الأقصى. وأشار أيضاً إلى قضية الشيخ جراح، محذّراً أيضاً من تهجيره أهالي الحيّ.

وتواجه 28 عائلة فلسطينية، في حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، خطر الإجلاء من المنازل التي تقيم بها منذ عام 1956. في المقابل، يدّعي مستوطنون يهود أنهم اشتروا تلك العقارات من جمعيات يهودية، كانت اشترت بدورها أراضي تلك العقارات منذ قرابة قرن، بحسب ما نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية. 

هذه المواجهة امتدت 11 يوماً. أعلنت “سرايا القدس” حينها، في توقيت البهاء، استهداف “تل أبيب” و”ديمونا” و”أسدود” وعسقلان و”سيديروت” والمدن والبلدات المحتلة الأخرى بعشرات الصليات الصاروخية الثقيلة والمكثّفة والمركّزة.

وبعد 11 يوماً من المواجهة، توقّفت الحرب، وكُشف النقاب عن الخسائر الإسرائيلية، خلال عملية “سيف القدس”. ووفق  صحيفة “يديعوت أحرونوت”، تراوحت الخسائر “بين 0.5% و0.8% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بخسائر 0.3% من الناتج المحلي خلال حرب “العصف المأكول والبنيان المرصوص”، والتي استمرت 51 يوماً صيف 2014”.

وتشمل تلك الأضرار، من بين أمور أخرى، الأضرارَ التي لحقت بالنشاط الاقتصادي، وانخفاض الإنتاج في المصانع، والانخفاض الكبير في الاستهلاك الخاص، والتكاليف التي تكبّدها الاقتصاد بسبب النشاط الحربي.

أمّا على مستوى المدن، فسجلت مدينة عسقلان أعلى نسب أضرار في المعركة، بحيث وصل مجمل بلاغات الأضرار في المدينة إلى 1,087 بلاغاً.

في المعركة، تمكَّنت المقاومة من تحقيق نصر مهم، واستعادت وعي الشعب الفلسطيني، في الدرجة الأولى، في مقابل كيّ الوعي الصهيوني. وفي استطلاع للرأي العام لدى الاحتلال الإسرائيلي، اعتبر 59% من الإسرائيليين أنَّ “إسرائيل” لم تنتصر في معركة “سيف القدس”.

المواجهات في الدخل الفلسطيني المحتل 

فجّرت معركة “سيف القدس” ما يشبه انتفاضة الشعب الفلسطيني داخل فلسطين المحتلة عام 1948، الأمر الذي اعتُبر، إسرائيلياً، التهديدَ الاستراتيجي الأخطر الذي كشفته المعركة، وهو ما دفع حكومة الاحتلال إلى وضع الخطط وتشكيل وحدات خاصة من “الجيش” والشرطة و”الشاباك”، لمواجهة تداعيات هذا الخطر في المستقبل.  

شهدت مناطق متعددة في الداخل الفلسطيني المحتل عدة تظاهرات غير مسبوقة من الجليل إلى الرملة واللد وكفر كنا وبئر السبع ومدن الضفة دعماً للقدس المحتلة، بالتزامن أيضاً مع اعتداءات المستوطنين وشرطة الاحتلال عليهم.

جاءت هذه الهبّة نتيجة أحداث متعددة، أبرزها محاولة إجلاء فلسطينيين عن منازلهم في حي الشيخ جراح، في القدس المحتلة، ومحاولة شرطة الاحتلال إغلاق حي باب العامود، الذي يُعَد من المعالم الوطنية الفلسطينية المهمة في القدس المحتلة. 

خُلقت أيضاً معادلة جديدة: “غزة – أراضي الـ48″، وأثارت مخاوف “إسرائيل”، وأربكتها  في ذروة الحرب على القطاع. ووفق وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي، يائير لابيد، فإن “ما حدث في شوارع إسرائيل تهديد وجودي” لها.

ففي العام الماضي فقط، قُتل 130 من الرجال والنساء في ظل تقاعُس مُتعَمَّد ومتوقَّع من جانب الاحتلال، لينضموا إلى سلسلة طويلة من ضحايا العنف المُنظَّم منذ قرّرت سلطات الاحتلال الإسرائيلية فتحَ مراكز للشرطة في البلدات الفلسطينية في الداخل عقب اندلاع الانتفاضة الثانية في تشرين الأول/أكتوبر 2000. 

أسرى “نفق الحرية” 

في الـ6 من أيلول/سبتمبر، برز حدث تاريخي ضخم، هو عملية انتزاع 6 أسرى فلسطينيين حريتهم من سجن “جلبوع” الأكثر تحصيناً، عبر نفق حفروه أسفل السجن، وهم محمود العارضة (قائد العملية)، يعقوب القادري، زكريا الزبيدي، محمد العارضة، أيهم كممجي، مناضل نفيعات. وأضاءت العملية على ثبات الإرادة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي حتى انتزاع الحرية.

في المقابل، قالت وسائل إعلام إسرائيلية إنّ عملية التحرر هي الأكبر  في السنوات الأخيرة، وإنها بحجم عملية خطف جندي، بحيث نجح الفلسطينيون في مباغتة “إسرائيل” وإحراجها.

ونقلت صحيفة “هآرتس”، حينها، عن مسؤولين رفيعي المستوى في مصلحة السجون أنّ “الإخفاقات الأمنية التي مكّنت 6 أسرى أمنيين من الهرب من سجن جلبوع كانت موجودة أمام مصلحة السجون والشرطة منذ وقت طويل”، مضيفةً أنّ “تلك الإخفاقات لم تعالَج”.

لكنْ، بعد أيام على انتزاعهم حريتهم، أعادت سلطات الاحتلال اعتقالهم، في وقت لقيت هذه العملية ضجة عالمية كبيرة، وضعت “إسرائيل” في موقف محرج أمام الرأي العام العالمي، في مقابل قوة الأسرى الفلسطينيين وصلابتهم وعزيمتهم من أجل نيل حريتهم. 

معركة الأمعاء الخاوية

بعد عملية أسرى “نفق الحرية”، زادت مصلحة السجون في الهجمات الشرسة على الأسرى، وشدّدت إجراءاتها القمعية، الأمر الذي أدّى الى اتخاذ الأسرى خطوات تصعيدية للتصدّي لهذه الهجمة، فخاض الأسرى معركة الأمعاء الخاوية بصورة جماعية، بحيث دخل نحو 250 أسيراً من حركة الجهاد الإسلامي، في الـ 13 من تشرين الأول/أكتوبر الإضراب المفتوح عن الطعام، وكان لدى الفصائل جميعاً برنامج تصعيدي لو أن الاحتلال لم يتراجع. 

كما شهد هذا العام أيضاً معركة أمعاء خاوية خاضها المعتقلون الإداريون طوال أيام تجاوزت المئة، وسط تدهور أوضاعهم الصحية قبل انتزاع حرّيتهم، بينما لا يزال الأسير هشام أبو هواش مستمراً في معركته.

وأيضاً، كان للأسيرات نصيب في المعاناة جرّاء اعتداءات مصلحة السجون، والتي استلزمت تهديدات فصائل المقاومة واستنكارها. 

الفلسطينيون يقاومون سياسات التهويد والاستيطان 

قبل نهاية العام، صادق الاحتلال على بناء آلاف الوحدات الاستيطانية في القدس المحتلة والضفة الغربية، وعودة التهويد إلى المسجد الأقصى وحيّ الشيخ جرّاح.

وفي الـ 24 من تشرين الأول/نوفمبر، عرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مناقصات من أجل بناء نحو 1355 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية.

كما تعتزم حكومة الاحتلال المصادقة على بناء 3144 وحدة استيطانية في الضفة الغربية، على أن تتوزع الوحدات على 30 مستوطنة في الضفة الغربية والقدس المحتلة، وبصورة كبيرة في مستوطنتي “رفاقا” (399 وحدة)، و”كدوميم” (380)، بينما سيتم إنشاء 292 وحدة جديدة في مستوطنة “كفار عتصيون”، و286 وحدة في “هار براخا”. 

وأعلنت “وزارة الهجرة والاستيعاب” لدى الاحتلال الإسرائيلي أن 27 ألف شخص انتقلوا إلى الأراضي المحتلة. ومثّل هذا الرقم الجديد من المستوطنين زيادة بنسبة 30 في المئة عن عام 2020، في مخالفة للقوانين الدولية والقرارات الأممية.

لكن حركة “السلام الآن” الإسرائيلية اعتبرت، في تصريحات نشرتها صحيفة “معاريف”، أن الحكومة الحالية تتابع نهج حكومة نتنياهو، وأضافت الحركة أن “على زعماء حزب العمل وميرتس المطالبة بإلغاء البناء في المستوطنات، الأمر الذي يُضِرّ بالمصالح الإسرائيلية وبأيّ حل سياسي مستقبلي”.

ودعت فصائل فلسطينية، في أكثر من مناسبة، إلى تصعيد المقاومة الفلسطينية من أجل مواجهة الاستيطان الإسرائيلي، ولردع الاحتلال وإجباره على التراجع.

العمليات الفدائية

بعد عملية “سيف القدس” بالتحديد، تصاعدت بصورة كبيرة العمليات الفدائية في الضفة الغربية المحتلة، وسط اعتراف إسرائيلي بالعجز عن إيقاف مسلسلها، ودعوات إلى الاستعداد لإمكان تطوّرها.

تعدّدت العمليات في وجه الاحتلال الإسرائيلي، في كل أنواعها، بين إطلاق نار وطعنٍ ودهس. وتحدّثت تقارير الاحتلال عن انتفاضة جديدة للشبّان في فلسطين المحتلة، معتبرةً أن ما يحدث هو تهديد لأمنها القومي. وأشارت هذه التقارير إلى الارتقاء التدريجي في مستوى تنفيذ العمليات في الشهرين الماضيين، والذي رفع منسوب السجال السياسي الداخلي وتبادل الاتهامات بين الحكومة والمعارضة.

نذكر من العمليات الفدائية، الشهر الماضي، عمليةَ الطعن التي أُصيب خلالها عنصران من قوات الاحتلال الإسرائيلي في البلدة القديمة، ليستشهد بعدها المنفّذ الطفل عمر أبو عصب بنيران قوات الاحتلال. تلتها عملية الفلسطيني فادي أبو شخيدم الذي قتل جندياً إسرائيلياً رمياً بالرصاص، وأصاب 4 آخرين في صفوف جنود الاحتلال، بالإضافة إلى عملية الطعن في حي الشيخ جراح، والتي نفذتها فتاة فلسطينية، وأدت إلى إصابة مستوطنة.

ووفقاً للبيانات الصادرة عن “الشاباك”، في شهر حزيران/يونيو، كان هناك 592 هجوماً في الضفة الغربية، و178 عملية أخرى في القدس المحتلة، في شهر أيار/مايو، مقارنة بـ 104 في نيسان/أبريل (80 في الضفة الغربية و24 في القدس المحتلة).

تضمنت هجمات أيار/مايو 401 هجوم بزجاجات حارقة ومفرقعات، و33 قنبلة أنبوبية، و87 حريقاً متعمداً، و47 هجوماً بنيران أسلحة خفيفة، وهجومين بقنبلتين يدويتين، وهجوم دهس، وغير ذلك.

فلسطين قضية عالمية 

 ساهمت كل هذه الأحداث في تحويل مسار القضية إلى قضية عالمية. ففضلاً عن خروج مسيرات مؤيّدة للفلسطينيين شارك فيها الآلاف، حضرت القضية في الجامعات العالمية وأروقة الكونغرس الأميركي، وساحات لندن وبرلين.

البيان الأبرز خلال معركة “سيف القدس”، والذي كان له وقع مؤثر، كان من 70 أستاذاً من جامعة “هارفرد” الأميركية العريقة، وأدانوا فيه “إسرائيل” بسبب ممارستها سياسات الفصل العنصري، وطالبوا الإدارة الأميركية بالتوقف الفوري عن توفير الدعم لهذه السياسات، معلنين تضامنهم مع الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل حريته وحق تقرير مصيره. 

كما اعتبر البيان “أن دعم الولايات المتحدة الثابت لـ”إسرائيل”، مالياً وعسكرياً وسياسياً، أدى إلى تغذية نظام الفصل العنصري الذي يُضفي الطابع المؤسسي على سياسات الهيمنة وقمع الفلسطينيين”.

وقد تكون هذه هي المرة الأولى التي يعلو فيها صوت هؤلاء الأساتذة للتضامن مع القضية الفلسطينية، الأمر الذي اعتبره البعض صفعة وجّهها نخبة أساتذة جامعات الولايات المتحدة الأميركية إلى الكيان الصهيوني.

بعد “سيف القدس” ليس كما قبلها، فالمقاومة الفلسطينية حققت قفزات نوعية في المواجهة، وامتلكت خيار بدء الحرب وخيار إنهائها، وفق توقيتها الخاص.     الميادين