حماد صبح: المؤكد الوحيد في الحرب الروسية الأوكرانية أنها لن تتوقف قريباً..

تشغل الحرب الروسية الأوكرانية العالم منذ ثمانية أشهر ، تباينت خلالها الآراء والاجتهادات حول  احتمالات سرعة انتهائها أو امتدادها زمنا طويلا . والآن يترجح الاحتمال الثاني لسببين رئيسيين ، أولهما الصمود الأوكراني الذي فاجأ روسيا والعالم ، وربما فاجأ الأوكرانيين أنفسهم ، وثانيهما مسارعة أميركا والناتو لالتقاط الحرب سانحة فريدة للانتقام من روسيا والإجهاز عليها بصفتها قوة عظمى لا يرتاح إليها الطرفان، أميركا والناتو ، والعداء بين الروس ودول غربية مثل فرنسا وألمانيا قديم ، وهم يقولون إن الأعداء دائما يأتونهم من الغرب الأوروبي . في 1812غزاهم نابليون بونابرت امبراطور فرنسا وهزموه ، وفي 1941 غزاهم هتلر ودحروه .
وما بدأت الحرب الحالية في 24 فبراير الماضي حتى سارعت أميركا والناتو إلى التنديد بروسيا بصفتها البادئة بها ، وفتحت الدول الأوروبية أبوابها للاجئين الأوكرانيين متعاطفة إنسانيا معهم تعاطفا فيه من السياسة الكثير ، وتدفقت الأسلحة والأموال على أوكرانيا ، وباعت شركات صناعة الأسلحة الأميركية لعدد من الدول الأوروبية أسلحة ب 50 مليار دولار لإرسالها إلى الجيش الأوكراني ، وقدمت أميركا له أسلحة ب 17 مليار دولار ، ودربوا كتائب منه على هذه الأسلحة ، ووفروا له المعلومات حول القوات الروسية في أرض المعارك ، وأرسلوا متطوعين للقتال معه.
وفرضوا على روسيا مقاطعات اقتصادية شملت وصول غازها الذي تصدره إلى الدول الأوروبية ، وفجروا أنبوبه الناقل له . وتأزم الموقف الروسي تأزما دفع القيادة الروسية إلى الحديث عن الخيار النووي أملا في أن تلين أميركا والناتو خوفا من لجوء روسيا إلى هذا الخيار الذي لا يريده أحد في العالم إلا أنهما لم يلينا استبعادا منهما للجوء روسيا إليه ، وأملا في أن توقف الحرب مثلما بدأتها ، وطمعا في اضطرارها إلى التخلي عن المناطق الأربعة التي ضمتها من أوكرانيا .

وأمس ، الثلاثاء ، قال لافروف وزير الخارجية الروسي إن بلاده لن تلجأ للسلاح النووي إلا لحظة شعورها بما يهددها بزوالها ، وهو قول لم يوفق فيه لما حواه من إغراء وطمأنة لأميركا والناتو بإمكانية مواصلة مؤازرة أوكرانيا والحشد ضد روسيا في كل الساحات وبمتنوع الوسائل إنهاكا لها قبل أن تصل إلى الشعور بالتهديد المزيل لوجودها ، وقد ينهار ثباتها قبل الوصول إليه ، كأن تحرر أوكرانيا المناطق الأربع ، أو يقع انقلاب في روسيا يطيح ببوتين ، ويأتي بقيادة جديدة تتراجع عن كل ما اتخذه إزاء أوكرانيا إنقاذا للبلاد من مصير خطير على كيانها ووحدة أراضيها بقسميها الأوربي والآسيوي ، ووحدة شعبها المتنوع الأعراق وإن كان العرق الروسي هو الغالب غلبة متفوقة مطمئنة . ولا أحد مهما كانت دقة حدسه وحصافة رأيه بقادر على توقع مسارات تيارات الأحداث مهما كانت هذه التيارات تغري أو توهم باستنتاج توقع يطمئن إليه . دائما في باطن تلك المسارات مفاجآت تخالف الحسابات المسبقة .
ودل أمران على شعور روسيا بحرج موقفها وسوئه ، أولهما القصف العنيف لكييف ب 75 صاروخا والذي فسر بأنه انتقام من تفجير الجسر الواصل بين البر الروسي وشبه جزيرة القرم ، وثانيهما تصريح لافروف بأن بلاده تتطلع إلى اقتراحات من الغرب أو تركيا حول الحرب ، وسارعت واشنطون إلى وصف تصريحه بتمثيلية ، نافية جديته ، ولو كانت جانحة إلى مسالمة روسيا وراغبة في حل سريع للحرب لأبدت استعدادها لتقديم اقتراح يهيء لهذا الحل ويقود إليه.
هي والناتو لا يريدان لروسيا سوى الهزيمة التي يتوقعان أن تعقبها تطورات داخلية عاصفة فيها  تطيح بقيادتها الحالية ، وتفتح الطريق واسعا لإضعافها وتفكيكها ، والسيطرة بصورة أو بأخرى على قسمها الآسيوي الذي يعادل ثلاثة أرباع مساحتها ، وتعده أميركا والناتو استعمارا متأخرا ، وإذا آلت روسيا إلى هذا المصير البائس المخيف ، فالدور التالي دور الصين . موقف أميركا والناتو من الحرب الروسية الأوكرانية موقف استراتيجي بعيد الأفق ، ويجب الحذر من الاستخفاف بقدرتهما على الوصول إلى ذلك الأفق .
وربما يؤكد الزمن صحة رأي بايدن في بوتين بأنه ” شخص عاقل أساء التقدير بشكل كبير . ” ، ودائما ” قدر لرجلك قبل الخطو موضعها ! ” ، وما أيسر بدء الحرب وما أصعب إنهاءها ! والمؤكد الوحيد حول الحرب الروسية الأوكرانية حتى الآن أنها لن تتوقف قريبا ، والمؤكد الثاني أن موقف روسا فيها حرج مقلق يسر أعداءها ، ويحزن حلفاءها وأصدقاءها .