“سردية غير مألوفة”.. رسالة ماجستير تكشف توظيف نجيب محفوظ للج


04:00 ص


الثلاثاء 31 أغسطس 2021

لا تزال عوالم الأديب العالمي نجيب محفوظ تحمل سحرًا خاصًا، يجذب الكثير من الباحثين لكشف أسرارها، ورغم عشرات الدراسات والأبحاث التي أجريت حول أعماله فإن رواياته لا تزال طازجة وكأنها كتبت اليوم، وبالتالي تخطف روايات أديب نوبل والدراسات التي تجري حولها الأنظار لأنها تحمل قدرًا كبيرًا من الجاذبية والإبهار الذي يجذب الجماهير لها.

وفي ذكرى رحيل أديب نوبل الخامسة عشر، نحاول أن نكشف جانبًا غامضًا في أدب محفوظ، وهو كيف نجح الأديب الراحل في توظيف الجن والعفاريت المردة والشياطين في أعماله، استنادًا إلى رسالة ماجيستير للكاتبة الصحفية دينا دياب بالمعهد العالي للنقد الفني التابع لأكاديمية الفنون.

جاءت رسالة الماجستير تحت عنوان “الكائنات الخارقة في البناء القصصي في أدب نجيب محفوظ”، مؤكدة أنها توصلت إلى عدد من النتائج جاءت كالتالي:

– الأدب القصصي لدى نجيب محفوظ احتوى على عدد كبـير من المـوروث الشـعبي تمثـل في المعتقـدات والمعـارف الشـعبية، مثـل الإيمـان بالأوليـاء، والكائنـات الخارقة، والسـحر، والطب الشـعبي، والأحـلام، والعادات والتقاليد الشعبية ودورة حياة الفرد، وعلاقة الفرد بالمجتمع وغير ذلك، واستخدم محفوظ الكائنات الخارقة للقدرة على توظيف المتخيل الشعبي والخرافي والاستلهام من القصص القرآني والديني، إضافة إلى براعة استخدام اللغة والمنجز الصرفي، والدمج المحكم للغة العلوم والاستفادة من المخترعات التكنولوجية (الدقيقة والإنسانية) وإخضاعها لقوة الخيال، والتمرس في وضع الألغاز وحلها، كل ذلك المزيج الفائق التعقيد يوضحه استخدام الكائن الخارق في قالب واحد هجين، ويتضح الأتى..

– اقترن الكائن الخارق في أساليب السرد لدى نجيب محفوظ كأسلوب تجريبي استخدم في الكثير من إبداعاته من حيث التطويع والتشكيل، خاصة عندما تحول إلى تقنية جديدة استأنس بها محفوظ في نزوعه المتواصل إلى الرمزية والتحديث في استخدام شخصيات رواياته وقصصه، ما أفسح المجال واسعًا لخلق سردية غير مألوفة، كان للخارق فيها النصيب الأوفر في القدرة الفائقة على صوغ ملامح كتابة مغايرة، وإبهار المتلقي عبر عمليات تفجير متعدد للأحداث والأزمنة والأمكنة واللغة والمنظور السردي في كتابة الحكاية.

– يرتبط التعبير الخارق إلى حد كبير بالواقع، على الرغم من تعارضه وتنافره ظاهريًا معه، بل إنه يبدو متأسسًا داخله منبعثًا من رماده ومتغيراته، يفرض هالته وبنيته إلى جواره، ويتعايش معه لا ليقبله ويستسلم له، وإنما ليخوض ضده كافة أشكال الرفض والفضح والاحتجاج، ومن ثمة تم لجوء الروائي في التجربة الروائية إلى مثل هذا التعبير لجعله صيغة وآداة لكشف زيف الواقع وكسر رتابة الواقعي المعيشي ومألوفيته، وقصد التحليق بعيدًا في سماء التخييل، وإعادة تشكيل عالم هذا الواقع وفق نزوات السارد أو الاستجابة لشهوات المتلقي وانتظاراته.

– استطاع محفوظ من خلال سردية الخارق خلق نموذج فني لمتخيل عربي مختلف له خصوصياته وسماته الفارقة التي تميزه عن سائر المتخيلات الأخرى، من حيث الارتباط بالتراث العربي ومرجعياته الغزيرة في إثراء اللغة السردية والوقوف بسحر الدلالات إلى نظرة غير معتادة.

– لقد كانت اللغة السردية لدى الروائي أحد أهم تجليات الخارق في تشكيل واقع حكائي متخيل على مستوى الشكل والمضمون أو المبنى والمعنى، انطلاقًا من أصغر بنية في التركيب اللغوي وهو العنوان إلى أكبر البنيات فيه كالسارد والزمن والفضاء والشخصية وغيرها.

– تعدد وتباين مستويات التعجيب بحسب طبيعة النصوص السردية من حيث درجة مفارقة الواقع ومخالفته والانزياح عن أطره وحدوده، رغم انفتاحها كلها على عنصر اللاواقعي والتعبير الرمزي المموه في تصوير الواقع ورصد ظواهره المستهجنه، في سبيل طرح بديل متخيل مواز يستند فيه إلى مخزون اللامألوف بشتى موارده وطاقاته.

كما اتكأت النصوص المحفوظية في تشكيل البعد العجيب والخارق على جملة من العناصر والموضوعات الحكائية المستمدة في أغلبها من تراث المتخيل العربي بالدرجة الأولى، لاسيما متن الليالي “ألف ليلة وليلة” الغزيرة بمادة الخوارق، ومحكى الرحلة وعوالمها العجيبة، والحكاية الشعبية بمختلف تجلياتها الرمزية والأسطورية.​