سيدة العلم… محمد دراغمة –

صباح الخير  يا شيرين، صباح القدس يا ابنة القدس. 
اليوم، جاء المستوطنون الى القدس حاملين اعلامهم، وساروا في شوارع المدينة، وهتفوا ضد فلسطين وضد شيرين.
كنت بالنسبة لهم، كما بالنسبة لنا، المعادل الموضوعي لفلسطين والقدس. اليوم كنت أنت العلم، علم فلسطين الذي يقابل علمهم في المواجهة الدائمةً المفتوحة على كل حجر وكل اسم وكل رمز وكل اشارة في هذه المدينة، مدينة السلام التي لم تعرف السلام يوما منذ اقامة أول حجر فيها. 
منذ رحيلك، اندلعت في هذه الديار معركة نسميها معركة العلم، فقد هاجموا جنازتك لانها كانت محفوفة بالأعلام الفلسطينية، ومنذئذ أخذوا يلاحقون هذا العلم في كل مكان، حتى في مناطق السلطة التي ترفع فيها الاعلام الفلسطينية على المؤسسات بموجب  الاتفاقات وتبادل الاعتراف. 
واليوم جاءوا في المسيرة السنوية التي تجتاح القدس في مثل هذا الوقت من كل عام، حاملين اعلامهم، واخذوا يبحثون عن العلم الفلسطيني وعن صورك وعن اسمك المخبوء في حجارة الاسوار والبيوت والمساجد والكنائس..أخذوا يهاجمون كل فلسطيني في طريقهم، هاجموا النساء والشيوخ والاطفال وازالوا الاعلام، اعلام فلسطين، وهتفوا ضد فلسطين وضد شيرين. 
اليوم وقف الصحفيون على ادراج باب العمود، قبالة السور، ذات الموقع الذي كنت تقفين فيه دائما لتروي فيه واحدة من حكايات القدس التي لا تنتهي. 
كنت حاضرة في كامل بهائك، كنت أجمل الحضور. اختار فريقك موقعك ليضعوا كاميراتهم فيه، قالوا لنا: هذا موقع شيرين…، ونحن نعرف انك تحبين السور العتيق، وكنت تختارين الموقع الاقرب اليه. 
افتقدناك في كل لحظة وفي كل حكاية، فانت تملئين حكاياتنا..اخبرني مجيد، مصور الجزيرة الجولاني العتيق عن آخر مواجهة بينك وبين الجنود في القدس اثناء مسيرتهم العام الماضي. قال: طلب منا الجنود أن لا نتحرك سنتيمتر خارج الموقع، وكان على شيرين ان تعد تقريرا يسمى “ووك آند توك” ( إروي الحكاية وأنت تسير في مكان الحكاية)، وعندما تحركت هاجموك بقسوتهم التي تعرفها اجسادنا واقلامنا وكاميراتنا وشاشاتنا. 
وقفنا منذ الصباح الباكر  حتى المساء الدامس، لتغطية هذا الحدث الذي تهتهم به وسائل الاعلام بصفته احد مفاتيح الحرب في هذه الديار المنذورة للحرب والدماء والدموع، ووثقنا مئات الاعتداءات على أهل المدينة وعلينا. 
صحفي اسرائيلي يعمل في اذاعة صوت إسرائيل باللغة العربية تعرض للضرب المبرح على ايدي مجموعة من المستوطنين لانهم سمعوه يقدم رسالته الاخبارية باللغة العربية. نشر فيديو لهذا الصحفي وهو ينزف ويصرخ من شدة الألم. قال انهم انهالوا عليه بالعصي، وانهم سرقوا هاتفه. 
جاءت مجموعة من المستوطنين والشرر يتطاير من عيون افرادها يسألون عنك. سمعناهم وهم يتفرسون في وجوهنا قائلين بالعبرية: “إيفو الجزيرة، ايفو تليفيزيا شيربن”. ( اين الجزيرة، اين تلفزيون شيرين)..رد عليهم الصحافيون ملوحين بقبضاتهم ومساند كاميراتهم…،حدثت تدافعات وجاءت شرطتهم وأخذتهم من المكان برقة، وهددتنا بقسوتها المعهودة.
في الوقت الذي كان فيه عشرات الالاف منهم يتجمهرون في باب العمود وفي شوارع القدس العتيقة  حاملين اعلامهم، ظهرت طائرة مسيرة صغيرة تحمل العلم الفلسطيني في سماء القدس، فوق كل الاعلام، لتعلن نهاية الكلام، وتغلق هذا الفصل، في انتظار يوم جديد، وفصل جديد في هذه المدينة التي لا تنام على وجع. 
غادرنا القدس، ووجهنا عيوننا صوب ضريح شيرين، بجوار سورها العتيق وقلنا لها؛ تصبحين على خير، تصبحين على نور يا سيدة النور، تصبحين على حكاية جديدة من حكايات القدس، يا سيدة القدس وسيدة حكاياتها، تصبحين على علم يا سيدة العلم .