صدام مؤجل بين روسيا و«الناتو»

رغم ما يبدو على السطح من إسدال الستار على حادثة سقوط صاروخ في أراضي بولندا الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي «الناتو» والمجاورة لأوكرانيا في خط حدودي يبلغ طوله حوالي 529 كيلومتراً، إلا أن القلق والتوتر العالمي الذي فجرته الحادثة يثير المخاوف من احتمالات تكرارها بصورة أكبر وأخطر، وهو ما يمكن أن يقود إلى انفلات الصراع من كونه مجرد حرب بين دولتين إلى التوسع ودخول أطراف أخرى مثل «الناتو» على خط الأزمة في حال تعرض إحدى دوله للاستهداف.

ما حدث في تلك الليلة دفع بعض المراقبين إلى القول «إن العالم حبس أنفاسه خلال هذه اللحظات»، وهو ما يلفت الانتباه إلى رد الفعل الكبير والسريع من مختلف الأطراف خصوصاً القوى الفاعلة على واقعة «الصاروخ»، إذ اعتبرها محللون عسكريون بمثابة تحذير لما يمكن أن تكون عليه المخاطر إذا ما تفاقم الصراع في أوكرانيا إلى حرب أوسع ليس مستبعداً أن تقود إلى صدام مسلح بين روسيا والحلف الأطلسي.

وفي هذا السياق، يعتقد خبراء عسكريون أنه في حالة الحرب الروسية الأوكرانية ليس بالإمكان السيطرة التامة خصوصاً على عملية إطلاق الصواريخ والقذائف في أجواء البلدين، إذ إن إحداها يمكن أن يخلق أزمة عالمية خصوصاً إذا كان من جانب روسيا ضد أي من الدول الأعضاء في الناتو.

وتساءل هؤلاء: ماذا لو أن صاروخاً روسياً استهدف أو أسقط طائرة لحلف شمال الأطلسي فوق بولندا عن طريق الصدفة مثلاً؟، محذرين من أن طول فترة الحرب يمكن أن تؤدي إلى مثل هذه الاحتكاكات سواء عن عمد أو عن طريق الصدفة البحتة، مؤكدين أن المخاطر تتزايد مع مرور الوقت.

أما الاحتمال الأكثر خطورة والذي يحذر منه المراقبون، فإنه مع تجميد المفاوضات بين موسكو وكييف، وعدم حسم أي من الطرفين أمر الحرب، فإن الخيار النووي لا يبدو في هذه الحالة بعيداً عن الأذهان خصوصاً من الجانب الروسي الذي قد يفكر في استخدامه ولو بصورة محدودة بغرض بث الرعب في الداخل الأوكراني وخلق أزمة خارجية كبيرة، يمكن أن تقود في نهاية المطاف إلى ممارسة ضغوط أكبر على أوكرانيا لحل الأزمة سياسياً. ولا يستبعد المحللون أن يكون هذا هو الخيار الذي تفكر فيه موسكو في الوقت الراهن.

ولا شك أن لقاء مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز مع رئيس جهاز المخابرات الخارجية الروسي سيرجي واي ناريشكين أخيراً في أنقرة، يكشف عمق القلق الأمريكي خصوصاً والغربي عموماً من احتمالات لجوء موسكو إلى السلاح النووي، كما أن مطالبات واشنطن المتكررة لكييف بإعادة التفاوض مع الروس يشي بأنها تخشى من هذا السيناريو، ومن ثم فهي تريد التعجيل بعودة المسار الساسي التفاوضي قبل أن يفلت زمام الأمور، وتدخل الأزمة في النفق المظلم.

ومن ثم فإن القلق العالمي من احتمالات تزايد التصعيد في الحرب الأوكرانية بات أمراً لا يمكن إنكاره، وأن حلف الناتو يأخذه على محمل الجد ربما أكثر من أي وقت مضى، وربما تكون حادثة «الصاروخ البولندي» علامة فارقة فيما هو قادم ، خصوصاً أن الغرب يدرك جيداً أن النظام الروسي يمكن أن يخاطر في هذه الحرب، وأنه ربما لا يقبل بغير النصر، ما يجعله يفكر في استخدام كل أوراقه لتحقيقه هذا الهدف.

ومن أجل تفادي السيناريو الكارثي، أطلقت قمة العشرين (G20)، نداء بضرورة إيقاف الحرب، محذرة من تداعياتها الكارثية، وتقويض الاقتصاد العالمي، وهو ما نتمنى أن يلقى آذاناً صاغية لدى الطرفين الروسي والأوكراني.