«طالبانستان 2021» .. تحكم.. من يعترف أولاً ؟

عندما تعهدت حركة طالبان قبل 24 ساعة من سقوط كابل في قبضتها بتوفير أجواء الأمن للدبلوماسيين وموظفي البعثات الدبلوماسية في العاصمة، كانت ترسل غصن الزيتون للبعثات الدبلوماسية مفادها أن طالبان عام 2021 تختلف عن طالبان 1996 وعام 2001.. كما أرسلت رسائل طمأنة فور سيطرتها على كابل هي الثانية خلال 48 ساعة لجيران أفغانستان بأنها لن تسبب لهم أي مشاكل أو عنف على الحدود، زاعمة أن سيطرتها على مناطق ومحافظات بأكملها دون إراقة دماء دليل على شعبيتها وقبول الشعب بها، وأكدت التزامها بحماية حياة المواطنين وممتلكاتهم.أفغانستان اليوم أمام فصل جديد من النزاع والفوضى، أو قد تكون مرحلة جديدة باتجاه الوئام، إذ اختلفت آراء الخبراء فمنهم من يرى أن عودة طالبان للحكم تنذر بالمزيد من الفوضى والدمار والحروب والإرهاب، بيد أن فريقا آخر يعتقد أن العودة هذه المرة تمت هندستها بشكل مختلف من اللاعبين الإقليميين وعلى رأسهم الصين وباكستان وروسيا. كما أن هناك أطرافا عرقية عديدة تحكم الصراع الداخلي من أجل السلطة، تخضع بدورها لضغوط مختلفة سليلة التطورات والمتغيرات، ما يفاقم الضبابية في البلد الغارق بالحرب منذ عقود من الزمن.

ومع إحكام طالبان قبضتها على أفغانستان، تفتح جبهة من المسارات السياسية والأمنية والعسكرية الجديدة سواء على الصعيد المحلي، أو في اللعبة الإقليمية الكبرى، في إطار سعي الأطراف داخليا أو خارجيا إلى التأثير على الديناميكية على الأرض وإعادة التموضع فضلا عن اتباع إستراتيجية قد تحافظ على موازين القوى على الأرض، غير أن طالبان تستثمر بسط نفوذها عبر «بروباغندا» تندرج في إطار حرب نفسية تعطي الانطباع أن طالبان تظهر بمظهر جديد لكي تهدئ من فزع العالم خصوصا أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان تم وفق تفاهمات معينة مع الحركة منح طالبان حافزا معنويا كبيرا، حيث شنت سلسلة من الهجمات خلال الأسابيع الماضية سيطرت خلالها على كامل الأراضي الأفغانية منحتها أسبقية على الأرض، مستفيدة من الفراغ الذي خلفته القوات الأجنبية وغياب الإسناد، وهذا ما يفسر عدم اهتمامها بالدخول في محادثات مع الحكومة، بل قد تفضل الحركة انتزاع السلطة بالقوة الناعمة هذه المرة، ما يمهد لسيناريوهات خطيرة خصوصا أن زعماء الحرب ذوي الوزن الثقيل لم يظهروا حتى الآن في المشهد الميداني وتحديد مواقفهم مما يجري على الساحة الأفغانية فضلا عن زعماء جدد داخل الأقليات الإثنية الأفغانية بتدريب مجندين وتسليحهم، ما قد يؤجج الانقسامات العرقية والدينية، ويصب الزيت على النار المستعرة وجبهة جديدة في اللعبة الإقليمية الكبرى يفتحها الانسحاب الأجنبي في أفغانستان، إذ تسعى دول الجوار للتأثير على الديناميكية على الأرض وإعادة التموضع إزاء مختلف اللاعبين. فهناك باكستان على سبيل المثال، التي تستفيد منها إذا ما استعادت السلطة، في هدف يرنو إلى قطع الطريق على الهند، خصمها الأكبر، من تعزيز موقعه في أفغانستان، ما سيشكل خطرا على حدودها الغربية. كما تعمل إيران على ترسيخ حضورها، فبعدما كادت تدخل في حرب مع طالبان في التسعينات، ترغب في فتح صفحة جديدة مع طالبان لكي تكون ضمن اللاعبين الإقليميين ولا تنعزل مثل الهند ويبدو أن طهران تبقي أيضا على علاقات مع بعض زعماء الحرب الذين قاتلوا طالبان خلال الحرب الأهلية، لفتح آفاقها تحسبا لأي تطورات ومتغيرات في اللعبة. المشهد في أفغانستان يتكرر، ولكن المؤيدين والمعارضين سيختلفون عن عام 1980 وعام 1996، حيث تبدلت أجيال، وتداخلت المصالح، وظهر لاعبون جدد وسط كل المتغيرات التي طرأت على العالم. في 1980 دخلت إلى أفغانستان جحافل الجيش السوفييتي، القوة الموازية للولايات المتحدة، بحجة حماية النظام الشيوعي الذي استولى على الحكم، وقد ظن العالم أن الأمور قد حسمت، وأن حكم السوفييت القادمين من الشرق والشمال سيطول لهذا البلد الصغير والفقير، ولم يعتقد أي شخص، مجرد اعتقاد، أن ذلك الغزو سيكون بداية النهاية للمنظومة الاشتراكية الدولية، وأن أكبر دولة في العالم ستتفتت.. السؤال الكبير اليوم بعد أن دخلت الحركة في مسار الشرعنة الدولية.. اللاعبون الإقليميون متعطشون لتوزيع الكعكة الجديدة.. من سيعترف بطالبان أولاً.. الصين.. باكستان.. أم روسيا؟