عملية تل ابيب.. ما قبلها وما بعدها..اسيا العتروس

العنف يولد العنف ولا يمكن لاي انسان ان ينتشي بمشهد الدم و القتل  وليس في ذلك ادنى ابتكار او اختراع في المفاهيم والافكار بل هي الحقيقة التي ترفض اسرائيل ومعها القوى الداعمة للاحتلال الاعتراف بها ..
ومن هذا المنطلق فان أكثر من سبب يدفع للتوقف عند عملية  تل ابيب أول امس من جانب سلطة الاحتلال كما من جانب الاطراف التي تدعي أنها راعية للسلام بما في ذلك المطبعين الجدد و كل الذين  يفقدون القدرة على الكلام ويصابون بالصمم و البكم لما يتعرض له الفلسطينيون من  قتل بطيئ و من جرائم حرب يومية مستمرة منذ عقود.. ولو تحركت العدالة الدولية  للضغط على سلطة الاحتلال بأقل مما تتحرك اليوم في اوكرانيا لامكن الاقتراب من الحل الذي تدوسه اسؤرائيل في كل مرة و لامكن  حقن الكثير من الدماء وتجنب الكثير من الجروح..
 الحقيقة الثانية أنه مهما بلغت قوة اسرائيل العسكرية و مهما تفوقت في ذلك فلا يمكنها ان تجعل حارسا يرصد حركات  و سكنات  نوايا كل مواطنة فلسطينية او مواطن فلسطيني  من أي جيل كان  يشعر بالغبن و القهر ويتجرع الذل كل يوم  لمنعه من  أي رد فعل  في أي مكان كان … اسقطت اسرائيل خيار الارض مقابل السلام و ارادت ان تستحوذ على الارض والسلام دون ثمن و اعتقدت ان حالة الهدوء الظاهر والقبول بالامر الواقع سيتحول الى قاعدة في التعاطي مع الفلسطينيين ولكن الاحداث تاتي لتكذب ذلك في كل مرة .. والارجح ان ما يحدث ايضا من تعاطف دولي لامحدود و من دعم سياسي و عسكري و مالي و انساني لاوكرانيا سيدفع الفلسطينيين للمقارنة بين وضعهم و بين ما وضع غيرهم و يدفعهم للتساؤل لماذا يخذلهم العالم و يهينهم و ينكر عليهم  حقهم في الحياة و الحرية ..
منفذ عملية تل ابيب مساء اول امس شاب من جنين لا ينتمي لاي حركة او فصيل سياسي فلسطيني و ليس معروفا لدى قوات الاحتلال التي لا تغيب عنها كبيرة او صغيرة بعد ان جعلت حياة الفلسطينيين اقرب الى مخبر مفتوح تحت المجهر تكاد ترصد انفاس كل من فيه و هو فوق كل ذلك لم يعش لا اطوار انتفاضة الحجارة و لم يشهد معركة جنين غراد البطولية التي حدثت و هو طفل في الرابعة من عمره ..لا احد يعرف بما في ذلك الاستخبارات الاسرائيلي التي تدعي انها الاقوى في العالم من اين جاء بالسلاح و لا كيف تسلل الى داخل اسرائيل و لكنه تمكن من ذلك و فرض على اسرائيل عشر ساعات من الاستنفار و الرعب و الخوف و كانها في حالة حرب اكثر من الفي عنصر من القوات الخاصة انتشرت لملاحقة منفذ العملية .. تماما كما كان يحدث عندما كانت تشن عدوانها على غزة او الضفة مع اختلاف مهم و خطير و هو ان اسرائيل تنفذ هجماتها باعتي انواع السلاح و العتاد و القوى المتدربة و لكن ما حدث في تل ابيب من تنفيذ شاب منفرد استطاع اختراق المنظومة الامنية الاسرائيلية ووضع ما فكر فيه قيد التنفيذ وهو يعلم ان نهايته وشيكة و انه لا مفر من الوقوع في قبضة قوات الاحتلال ..
ما حدث مساء اول أمس في أحد شوارع تل ابيب الاكثر حراسة و الاكثر كثافة و نشاطا يؤكد انه لا بديل عن العودة الى الشرعية الدولية المغيبة و الى  طريق المفاوضات ليس مهما اين ستكون و كيف و لكن المهم ان تكون على قاعدة الاعتراف بحق الفلسطينيين في العدالة و بانه و لا بديل عن حق الفلسطينيين في  الحياة والامن و الاستقرار تماما كما هو الشان بالنسبة للاسرائيليين ..طبعا سيبدو و كان في هذا التوجه  اصرار على المراهنة على السراب و لكن هذا السراب هو الحل الوحيد الذي يمكن ان ينهي الصراع الدموي و الاقتتال ..
سبقت عملية تل ابيب ثلاث عمليات مماثلة في بئر السبع، والخضيرة، وبني براك، أسفرت عن مقتل 11 اسرائيليا  بينهم امنيين و مع كل عملية تعمد اسرائيل الى عسكرة المناطق الفلسطينية و تطويقها فلا يمكن لاي كان دخولها او مغادرتها ..قراءتنا و هذا الارجح ان هذه العمليات لن تتوقف مهما اشتدت قبضة السلطات الاسرائيلية  و مهما حاولت تصنيفها بالاعمال الارهابية ..قد تختفي لبعض الوقت الى ان يعود الهدوء و لكنها ستظهر من جديد لان هناك شعب يعيش  غريبا مطاردا  على ارضه يواجه كل يوم امتداد  سرطان الاستيطان  و جرائم الاحتلال الذي لا ينتهي ليستمر في ابتلاع الاخضر و اليابس يوما بعد يوم …حكومة بينيت تواجه اخطر ازمة سياسية و امنية لها منذ تشكيلها في جوان الماضي و قد تذهب الى سيناريو عسكرة الازمة و افتعال حرب جديدة تشنها على الفلسطينيين لتجنب سقوط الائتلاف.. في المقابل فان رئيس الوزراء السابق ناتنياهو في حالة تاهب قصوى يقف متربصا بغريمه بينيت للعودة الى السلطة و كلاهما من اسوا وجوه اليمين المتطرف الذي يصر على الغاء و انكار الاخر.. في كل الحالات يظل الفلسطينيون و هم الحلقة الاضعف ضحية للاحتلال و ضحية للمجتمع الدولي الفاشل  الذي يصر على مكافاة الجلاد و معاقبة الضحية ..
كاتبة تونسية