عودة التّفجيرات إلى قلبِ العاصمة التركيّة أكبرُ تَحَدٍّ يُواجهه الرئيس أردوغان..

آخِر شيء ينتظره الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان الذي تُحيط به الأزَمات والمُؤامرات من كُل الاتّجاهات بعد فوزه، وحزبه، في الانتِخابات الرئاسيّة والتشريعيّة الأخيرة هو الانفِجار الإرهابي الذي وقع صباح الأحد أمام مقرّ وزارة الداخليّة، وعلى بُعدِ أمتارٍ من مقرّ البرلمان في العاصمة أنقرة، الذي شارك أردوغان نفسه في افتِتاحه، والبنْد الأوّل على جدول أعماله بحث رفْع الحظر التركي على انضِمام السويد لحِلف “النّاتو”.
الهُجوم الذي أدّى إلى مقتل اثنين، الأوّل فجّر نفسه، والثاني قتلته قوّات الأمن، جاء في وقتٍ حرج بالنّسبة إلى الرئيس التركي، وحزب العدالة التنمية الذي يتزعّمه، حيث تتصاعد الأزمة الاقتصاديّة، وتتراجع قيمة العُملة الوطنيّة وترتفع نسبة التضخّم، وفوق هذا وذاك تَفاقُم الاعتِداءات العُنصريّة الطّابع على السيّاح العرب الذين يُدرّون دخلًا لا بأس به للخزينة التركيّة، يصل إلى 60 مِليار دولار سنويًّا تقريبًا.
هذا الهُجوم الذي استهدف قلب العاصمة التركيّة بعد أكثر من ستّ سنوات من الأمان (آخر تفجير كان في 5 يناير عام 2017) جاءَ بعد عامٍ تقريبَا من آخَر أكثر خُطورةً بعبوةٍ ملغومةٍ في قلب العاصِمة الاقتصاديّة والسياحيّة إسطنبول، وفي أبرز معالِمها (ميدان تقسيم) في تشرين أوّل (اكتوبر) عام 2022 أدّى إلى مقتلِ 6 أشخاص وإصابة 81 آخَرين.
أصابع الاتّهام الأوّليّة تتوجّه إلى حزب العمّال الكردستاني الانفِصالي، ولكن من غير المُستَبعد أن تكون هُناك جهاتٌ أُخرى تقف خلفه، وتحظى بدَعمِ الولايات المتحدة الأمريكيّة، حيث تمرّ علاقاتها مع تركيا بحالةٍ من التأزّم في الوقتِ الرّاهن، نظرًا للصّداقة القويّة، المُتزايِدة صلابةً، وحميميّةً بين الرئيس أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وتنعكس إيجابًا في ميادين التّعاون العسكريّ والاقتصاديّ بين بلديهما، والحِياد التركيّ في أوكرانيا.
كان لافتًا أن الرئيس الأمريكي جو بايدن تجنّب لقاء الرئيس أردوغان على هامش الجمعيّة العامّة للأُمم المتحدة، والشّيء نفسه تكرّر أيضًا في قمّة العشرين التي انعقدت في العاصمة الهنديّة قبل بضعة أيّام، ومن غير المُستبعد أن يكون تفجير أنقرة “الغامِض” هو أوّل الرّسائل الأمريكيّة الضّاغطة على الرئيس أردوغان، احتِجاجًا على حِياده في الحرب الأوكرانيّة، وتقاربه المُتصاعِد مع جارِه الروسي، واستِمرار “الفيتو” التركي على عُضويّة السويد (حتّى الآن) في حِلف شِمال الأطلسي.
مشروع “طريق بايدن” الاقتصادي الجديد الذي أطلقه الرئيس الأمريكي على هامِش قمّة الدّول العشرين، ويهدف إلى ربط الهند بأوروبا من خلال خط سكك حديد مُرورًا بالخليج والأردن ودولة الاحتِلال الإسرائيلي، استبعد كُلّيًّا تركيا جنبًا إلى جنب مع كُل من مِصر والعِراق وسورية، الأمر الذي أثار العديد من علامات الاستِفهام حول هذا التّجاهل للدّولة التركيّة العُضو في حِلف “النّاتو” من قِبَل واشنطن.
الرئيس رجب طيّب أردوغان أعلن في أوّلِ ردّ فِعلٍ له أن هذه العمليّة الإرهابيّة صباح اليوم الأحد في أنقرة تُمثّل “الأنفاس الأخيرة للإرهاب” مثلما جاء في كلمته التي ألقاها في حفل افتتاح البرلمان الجديد، ونأمل أن يكون تفاؤله هذا في محلّه، ولكن من الصّعب، وفي ظِل هذا التوتّر مع أمريكا، استِبعاد الاحتِمالات الأُخرى، أيّ أن يكون هذا التّفجير قمّة جبل الجليد لمُخطّطٍ إرهابيٍّ مدعومٍ أمريكيًّا يستهدف تركيا، والرئيس أردوغان وحزبه.
ردّ الرئيس أردوغان على هذا المُخطّط الإرهابي يجب أن يكون سريعًا بالتّقارب مع سورية وإيران، وتوثيق أكثر للعلاقات مع روسيا والصين، والرئيس السوري بشار الأسد عندما التقيته في بيته في دِمشق يوم الثّامن من أيّار (مايو) الماضي، لم يقل كلمةً سيّئةً واحدةً عن الرئيس أردوغان، وأعرب عن استِعداده للقائه والعمل معه لمُواجهة الإرهاب، وإعادة العلاقة بين البلدين إلى وضعها السّابق، أي قبل المشروع الأمريكي لتفتيت سورية، وتغيير النّظام فيها، شريطة سحب الرئيس التركي قوّاته من شِمال سورية، وهو شرطٌ منطقيٌّ ومشروعٌ في رأينا.
مِن المُؤسِف أن السيّد بشار غولر وزير الدّفاع التركي الجديد أصابنا بخيبة الأمل عندما قال في أوّلِ تصريحٍ له يوم أمس حول الأزمة مع سورية، إن أنقرة مُستَعِدِّةٌ لاستِئناف المُفاوضات “مع وزراء الدّفاع في سورية وإيران وروسيا”، واستطرد قائلًا، وهُنا تكمن العلّة “مطالب الجانب السّوري ليس من المُمكن قُبولها على الفور، إنّهم يُريدون أن تُغادر تركيا الأراضي السوريّة، ولماذا تُغادر تركيا، فالجانب السوري قد لا يجد وقتًا للتّعامل مع بعض المناطق التي أرسينا فيها السّلام والأمن، والسّيطرة وإبعاد (أيّ السّلطات السوريّة) من يستخرج ويبيع نفط الشعب السوري” في إشارةٍ إلى قوّات سورية الديمقراطيّة “قسد” المدعومةِ أمريكيًّا.
***
تركيا ربّما تكون مُقدِمَة على موجةٍ جديدةٍ من التّفجيرات، والهدف زعزعة أمنَها واستِقرارها، وضرب القِطاع السّياحي فيها الذي يعود على الخزينة التركيّة حواليّ 60 مِليار دولار سنويًّا، الأمر الذي يتطلّب تغيير الكثير من السّياسات القديمة، وتبنّي أُخرى تتناسب مع المُتغيّرات الداخليّة والعالميّة، وتغيير سُلّم الأولويّات، بحيث تكون الأولويّة للتّطبيع مع دُوَل الجِوار، وسورية تحديدًا، وليس مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي التي تقف على حافّة، إن لم تكن قلب الانهِيار بسبب تعاظُم قُوّة وفاعليّة المُقاومة الفِلسطينيّة، ودُوَل وأذرُع جناح المُقاومة الحاضِنِ لها.
خِتامًا نقول الحل يكمن في العودة إلى مُعاهدة “أضنة 1998” الذي اقترحه الرئيس فلاديمير بوتين وتُنظّم التّعاون الأمني السوري التركي، وتُوفّر الحِماية المُشتركة والمُتبادلة للحُدود.