محلل أمريكي: التعايش مع طالبان ممكن لكن “بشروط”


10:15 ص


السبت 04 سبتمبر 2021

واشنطن- (د ب أ):

بعد أن أعلنت الولايات المتحدة انسحاب آخر قواتها من أفغانستان وإسدال الستار على أطول حروبها في تاريخها، ومع عودة حركة طالبان إلى الحكم مجددا في ظل محدودية الخيارات المتاحة لنظام حكم بديل، يظل السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن التعايش مع طالبان؟

وللإجابة عن هذا السؤال يقول المحلل والباحث الأمريكي البارز أنتوني كوردسمان في تقرير نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي إن العيش مع طالبان ينطوي على مخاطر وشكوك كبيرة، وسيكون الأمر أكثر من صعب حتى لو ثبت نجاحه.

ويضيف كوردسمان الذي سبق له العمل بوزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين أنه لا يمكن لأحد أن يستبعد خطر ظهور طالبان كدولة متطرفة متشددة مع استخدام شكل من أشكال الإرهاب، أو على أقل تقدير، التسامح معه. وأي شكل من أشكال التعاون يعني قبول قدر كبير من القيود التي تفرضها طالبان على حقوق الإنسان والاستبداد. كما سينطوي على التعامل مع حركة تعمل مع مثل هذه الديناميكيات السياسية المختلفة التي لا يمكن التنبؤ بها.

ويوضح أنه في الوقت نفسه، قد يكون هذا هو الخيار الأفضل الذي أمام الولايات المتحدة الآن لمحاولة تخفيف سلوك طالبان، وحماية الشعب الأفغاني، والحد من خطر تسامح طالبان مع الحركات المتطرفة وأعمال الإرهاب. وفي هذه المرحلة، يبدو أن لدى طالبان على الأقل بعض العناصر المعتدلة التي تركز على تشكيل حكومة فعالة ومستقرة. ولا يوجد عنصر متطرف واضح في قيادته السياسية والدينية المرئية على الأقل. وتواجه طالبان تهديدها الخاص من الفرع المحلي لتنظيم داعش(داعش- خراسان). ورغم أن تنظيم “القاعدة” موجود، إلا أنه لا يبدو كقوة نشطة للغاية.

وقد تعاونت طالبان إلى حد ما في إخلاء مطار كابول وتأمينه. وتواصلت مع بعض القادة السياسيين الأفغان المعتدلين، كما أن الانتهاكات التي تم الإبلاغ عنها من جانب مقاتليها محدودة وغير منظمة على ما يبدو. وقالت طالبان إنها لن تضطهد بشكل نشط أولئك الذين تعاونوا مع الولايات المتحدة وحلفائها أو خدموا في الحكومة السابقة، وأظهرت الحركة بعض الاستعداد المحدود لتقديم تنازلات بشأن حقوق المرأة وبعض الجوانب الأخرى للحريات المدنية.

ويقول كوردسمان إنه تبقى الحقيقة أيضا أنه لا يزال هناك بعض الأمريكيين، والعديد من الأفغان الذين تعاونوا مع الولايات المتحدة، ومواطني الدول الحليفة في أفغانستان الذين لا يزالون بحاجة إلى المساعدة في مغادرة البلاد. وهناك العديد من الأفغان الآخرين الذين تعاونوا مع الولايات المتحدة ولا يريدون المغادرة، وهم بحاجة إلى أكبر قدر ممكن من المساعدة. وعلى نطاق أوسع، يوجد في أفغانستان نحو 37 مليون شخص لم يشاركوا مباشرة في الحرب ولم يبدوا أي اهتمام بالمغادرة، ويمكنهم الاستفادة بشكل مباشر من كل تسامح متزايد من جانب طالبان مع الممارسات الاجتماعية والدين والحياة الاقتصادية الأكثر حداثة.

وعلى الرغم من مأساوية بعض جوانب الإجلاء والعنف في مطار كابول، تبقى الحقيقة أن هذه الأحداث شملت أقل من نصف 1% من مجموع السكان. وقد ولد ما يقرب من نصف هؤلاء السكان منذ عام 2001 ، ويبلغ متوسط العمر 5ر19 سنة فقط. وتلقى الكثير منهم تعليمهم للعيش في عالم أكثر حداثة وتحررا، ونصفهم تقريبا من النساء. وارتفع معدل الإلمام بالقراءة والكتابة إلى أكثر من 40%. ويعيش نحو 27% من السكان في المدن ويعتمدون على اقتصاد أكثر حداثة بكثير مما كان عليه الحال عندما كانت طالبان تحكم أفغانستان. وتعتبر أي جهود أمريكية يمكن أن تساعد الأفغان على العيش حياة كريمة مهمة حقا.

ويرى كوردسمان أن الشيء نفسه ينطبق على بقية السكان. فقبل وقت طويل من بدء الانهيار في يوليو 2021، كان نحو نصف السكان يعيشون في فقر، وكان نحو 20% من الأطفال يفتقرون إلى الغذاء الكافي، ومن شبه المؤكد أن نسبة البطالة بين الشباب تجاوزت 20%. وعلى الرغم من كل الادعاءات المبالغ فيها بالتقدم الذي أحرزه البعض بشأن ما حدث نتيجة لسقوط طالبان في عام 2001، صنفت وكالة الاستخبارات المركزية أفغانستان على أنها لديها أعلى معدل لوفيات الرضع في العالم وأن لديها أدنى متوسط عمر متوقع (53 عاما) في عام 2021.

ولا يمكن للولايات المتحدة ببساطة تجاهل طالبان أو معاقبتها دون مضاعفة ما هو بالفعل مأساة إنسانية حقيقية للغاية. وفي الوقت نفسه، لا يمكن لطالبان أن تتجاهل هذه الحقائق أيضا. وإذا كان لطالبان أن تنشئ حكومة مستقرة وأمنا حقيقيا وأن تستمر في ذلك، فلابد وأن تتصالح بما فيه الكفاية مع القرن الحادي والعشرين لكي تعيش في العالم الحديث، بحسب كوردسمان.

ويضيف أن الولايات المتحدة ليس عليها أيضا أن تضحي بقيمها للتعايش مع طالبان، وأن التعامل مع “الشيطان” هو جوهر الدبلوماسية في العالم الحقيقي. ويتمثل المفتاح في ربط كل خطوة تتخذها الولايات المتحدة في التعامل مع طالبان بنوع المشروطية التي تخدم مصالح كل من الولايات المتحدة والشعب الأفغاني، فضلا عن طالبان.

ويوضح الكاتب أن إعادة فتح السفارة لمساعدة بعض الأفغان، والأمريكيين المتبقين، ومواطني البلدان الحليفة لا يتجاهل معاملة طالبان لحقوق الإنسان أو حرية الدين. وإن السماح لطالبان بالوصول الكامل إلى احتياطيات صندوق النقد الدولي في أفغانستان والنظام المالي الدولي يمكن أن ينطوي على نفس النوع من المساومة والشروط، ويمكن التعامل مع المعونة الاقتصادية على نفس الأساس.

وقد تستفيد طالبان من هذه التعاملات، ولكن الشعب الأفغاني سيستفيد أكثر بكثير. وقد ينطبق الشيء نفسه على الولايات المتحدة وحلفائها. وتعتبر مكافحة الإرهاب بضربات جوية بعيدة المدى خيارا عسكريا غير مؤكد في أحسن الأحوال، كما أن عزل طالبان قد يشجع أسوأ المتشددين لديها على إحداث تحول في دعم الإرهاب والتطرف الدوليين بنشاط. ومن المرجح أن تكون التحولات منخفضة المستوى في سلوك طالبان معتدلة إذا اعترفت الولايات المتحدة بطالبان، وتساعدها تدريجيا على دخول النظام الاقتصادي العالمي، وتقدم بعض أشكال المساعدات المركزة بعناية.

ويخلص كوردسمان إلى أنه إذا لم تتفاوض طالبان على أساس معقول، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها سوف يكتسبون مصداقية أكبر بكثير مع العناصر الأكثر اعتدالا التي تبقى في السياسة الأفغانية، ومع الشعب الأفغاني، والعالم الخارجي. وسيكون من الواضح جدا لبقية العالم أن الولايات المتحدة قد عرضت خيارا وفرصة جيدين، وأنها أبقت هذا الخيار مفتوحا، وأن أي أزمة مستقبلية أو عمل عسكري أمريكي للتعامل مع الإرهاب أمر مشروع.