من أدار المجاهدين الأفغان في الغزو

يكشف رئيس الاستخبارات السعودية السابق، الأمير تركي الفيصل في كتابه «الملف الأفغاني» أن إدارة مجموعات المجاهدين الأفغان أوكلت إلى الباكستانيين وكان أصحابُ الكلمةِ العليا على الإستراتيجية الشاملة للحرب ـ فيما يخص مسارح القتال وتكثيف العمليات وتخصيص الإمدادات ـ هما الرئيس ضياء الحق، ورئيس الاستخبارات الباكستانية الجنرال أختر عبدالرحمن، فكان الاثنان سادةَ اللعبة..

في غضون عام من الغزو، توافد ما يربو على المليون لاجئ إلى المناطق الحدودية لباكستان، ليعيشوا في المخيماتِ، وكان التحدي أمام حلفاء المجاهدين هو أن يحققوا أقصى استفادة مما نقدمه لهم من مساعدة، ففي السنوات الأولى، كان نظام توزيع المساعدات والأسلحة أقل أثرًا مما ينبغي له بسبب تشرذم قواتهم. فبدأت وكالة الاستخبارات الباكستانية تمنح الأسلحة إلى قادةٍ بعينهم.

تسلم الرئيس ضياء مهمة إمدادات الأسلحة، وأصدر أمرًا بأنَّ تحالفًا سينعقد بين الأحزاب الإفغانية السبعة، فأضحى مبدأً ثابتًا من الآن فصاعدًا أنَّ كلَّ قائدٍ مجاهدٍ يجب أنْ ينتمي إلى أحد الأحزاب السبعة، وإلّا فلنْ يحصل على دعم.

الاستخبارات الأمريكية

كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية هي التي تدير عمليةَ شراءِ الأسلحةِ والذخيرةِ، وفي البداية كان الاتفاق بيننا وبين الباكستانيين والأمريكيين على أنَّ الإمدادات يجب أنْ يكون منشؤها من حلف وارسو، حتى يبدو للروس أنَّ المجاهدين قد استولوا على تلك الأسلحة أو اشتروها من الجيش الأفغاني، أو أنَّ هذه الأسلحة قد تكون من صنعٍ غربيٍّ قديمٍ. وأيًّا كان الثمن، فقد أردنا أنْ نتجنب إظهار أنَّ بلداننا الثلاثة مشاركة في توريدها. واستمرت هذه السياسة حتى عام 1985 الذي ظهرت فيه مشاركتنا واضحةً.

وجدت وكالة الاستخبارات المركزية أنها قادرة على شراء بعض إمداداتها مباشرةً من بولندا وتشيكوسلوفاكيا، حيث تسهُل رشوة المسؤولين، كانت معظم الأسلحة من المصادر الشيوعية جيدةً، أما مثار المشكلات فكانت المعدات الغربية القديمة، أو حين أَجبرَت السياسةُ الاستخباراتِ الأمريكيةَ أو الحكومةَ الباكستانيةَ على شراء الأسلحة التي يعلم ضباط المكتب الأفغاني العاملين مع المجاهدين أنها لنْ تكون ذات جدوى.

كان دور رئاسة الاستخبارات العامة في خط إمداد الأسلحة في بعض الأحيان هو اللجوء للدول العربية الصديقة التي كنا نعلم أن لديها مخزونات من أسلحة حلف وارسو، والتي في كثير من الأحيان ساعدناها على الحصول على شهادات المستخدم النهائي. وما من بلدٍ يبيع الأسلحة إلّا ويرغب في معرفةِ وجهتها.

وفي المرحلة التالية كان دورنا هو المساعدة في النقل، وقد أُرسِلَت نسبةٌ كبيرةٌ من الأسلحة التي حصلت عليها وكالة الاستخبارات المركزية عن طريق الجو أو البحر إلى الظهران في المنطقة الشرقية السعودية، ومنها كانت تُنقَلُ إلى طائرات مستأجرة غير حكومية أو إلى سفن وتُرسَلُ إلى باكستان، عادة إلى كراتشي، ومن كراتشي نُقِلَ حوالي 30 % من الذخائر بالشاحنات إلى كويتا.

كان أمر النقل شاقًّا وذا كُلفةٍ عاليةٍ جدًّا على الأحزاب. ففي منتصف الثمانينيات، كانت تكلفة نقل الذخائر من الحدود الباكستانية إلى المقاطعات الشمالية تُرَاوِحُ بين 15 و20 دولارًا للكيلو. وكلَّف نقل قذيفة هاون إلى منطقة مزار شريف حوالي 1100 دولار، وكلَّفت قنبلة واحدة 65 دولارًا. وبلغ مجمل ما أنفقته الأحزاب على النقل حوالي 1.5 مليون دولار كلَّ شهر.

سنوات الحرب الأولى

انتهجت القواتُ السوفيتية في المراحل الأولى في أفغانستان أسلوبًا دفاعيًّا؛ إذ كان من المُحَالِ أنْ يأملوا في السيطرة على البلاد بأكملها، وسرعان ما رأيناهم يركزون على السيطرة على المدن الرئيسة والقواعد الجوي.

كان للحرب تكلفةٌ اقتصاديةٌ عاليةٌ. فلقد دُمِّرَ الاقتصاد الأفغاني، وامتلأت المدن (وكذلك الجانب الباكستاني من الحدود) باللاجئين، وكانت موسكو تنفق نحو 12 مليون دولار يوميًّا على التكاليف العسكرية والمساعدات لأفغانستان. ومن وجهةِ نظرٍ عسكريةٍ، كان الروس يُدركون جيداً حجمَ ما ألمَّ بهم من إصاباتٍ، وكان من الواضح أنهم أرادوا أنْ يبقوا القتال عند مستوى معين. كذلك كانت الزيادة الكبيرة في حجم الجيش تستلزم تحسينَ خطوطِ الإمدادِ إلى الشمال، ولم يكن طريق سالانغ السريع مناسبًا لذلك.

تمويل

منذ 1983 /1984 زاد التدخل السعودي زيادةً كبيرةً، وجاءت أكبر قفزة في تمويل الحكومتين الأمريكية والسعودية في السنة المالية التي بدأت في أكتوبر 1984. وما كان يحدث في باكورة الخريف من كل عام هو أن المتعاطفين مع المجاهدين في الكونغرس، بقيادة تشارلي ويلسون، كانوا يفتشون في ميزانية الدفاع الأمريكية عن الأموال غير المنفقة ليأمروا الكونغرس باستخدام بعضها في أفغانستان. وفي أكتوبر 1984، تمكن مؤيدو الأفغان من تخصيص نقود إضافية كافية لرفع ميزانية البرنامج إلى 250 مليون دولار، وهو ما تكفلت بمثله الحكومة السعودية. وكان مبلغ الـ500 مليون دولار الذي أنفقناه معًا عام 1985 هو تقريبًا المبلغ نفسه الذي أنفقناه في جميع السنوات السابقة مجتمعةً.

في عام 1985 وباكورة عام 1986، تصاعدت حدة القتال في أفغانستان، فنشر الروس قوات السبيتزناز الخاصة وفرق استخبارات؛ في محاولةٍ لإغلاق الحدود مع باكستان. وكان جواسيسهم إذا رأوا قافلةً من الدوابّ، نشروا الخبر، فتُرسَلُ المروحيات لتدميرها. فكانت خطتهم هي التحليق 5 أو 10 أميال داخل باكستان ثم الالتفاف ومهاجمة القافلة من الخلف.

حضور عربي

في أيام الحرب الأولى في أفغانستان، استقبل الحزبُ الباكستاني، الجماعةُ الإسلامية، عددا من العرب الذين ذهبوا للعمل في مخيمات اللاجئين، وكان الطبيعي أن يُنشئ شخصٌ ما في وقت ما مركزَ استقبال مخصصًا للمتطوعين العرب، وتم ذلك عام 1984 عبر عبدالله عزام وهو أستاذ جامعي فلسطيني. كانت مسيرته مضطربة، وكان مرتبطا بجماعة الإخوان المسلمين، وكانت له علاقات مع سياسيين إسلاميين معارضين، من بينهم المصري المنفي محمد قطب.

قبل ذلك عمل عزام في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة. كان يخطب في مسجد الجامعة، ولأنه كان متحدثًا بليغًا، يُلقى خُطَبًا مدروسة بعناية تتناول مواضيع راهنة مثيرة للاهتمام، فقد اجتذب جماعة كبيرة ومنتظمة.

شهدت بداية الثمانينيات، عندما كان عزام في جدة، ازدهار النشطاء الإسلاميين؛ فقد ساد شعور واسع النطاق بأن المجتمع أصبح شديد العلمانية خلال فترة النمو الاقتصادي السريع في السبعينيات. ومن المؤكد أن الناس، والحكومة كذلك، صُدموا من اقتحام جهيمان للمسجد الحرام في مكة عام 1979، لكن كان من المقبول أن يظهر المتعصبون الدينيون من وقت لآخر في أي مجتمع. ولم يكن رد الفعل الرسمي هو التشديد الأمني لمحاولة الكشف عن الجماعات الأخرى التي يُحتمل تمردها، بل كان يُنظر إلى الصورة الاجتماعية الأوسع لمحاولة تهدئة أسباب السخط الديني. فبُنيت مساجد جديدة، وظهر المزيدُ من البرامج الدينية على التليفزيون، ووُسِّع نطاقُ المحتوى الإسلامي في المناهج المدرسية. وقد أدَّت هذه التطورات، بالطبع، إلى زيادة مُطَّردة في أعداد الدعاة والمدرسين الدينيين، وأدى كما علمنا لاحقًا بعد فوات الأوان، إلى انتشارٍ تدريجي للمشاعر التخريبية.

في أوائل الثمانينيات تحول عزام إلى باكستان، وفي عام 1984 أسس مؤسسةً أطلق عليها اسم «مكتب الخدمات»، وكان يُمثِّلُ جزئيًّا مجرد دار للضيافة.

ابن لادن

بعد وقت قصير من إنشاء «مكتب الخدمات» وصل إلى بيشاور شابٌّ اسمه أسامة بن لادن، من مواليد 1957، وكان من الأبناء الأصغر سنّاً من بين عدة أبناء للمقاول الشهير، والناجح إلى حدٍّ كبير، محمد بن لادن، وهو الابن الوحيد لأمٍّ سورية.

درس أسامة الهندسة في جامعة الملك عبدالعزيز، قبلَ سنوات قليلة من تدريس عبدالله عزام هناك، لكنه ترك الدراسة قبل استكمالها. أصبح أسامة مهتمّاً بأفغانستان كغيره من الشباب السعوديين الآخرين في أوائل الثمانينيات، وسافر إلى هناك لأول مرة عام 1984 أو 1985 والتقى عزامًا. ولطبيعة صِلاتِه، كان الدور الرئيس لأسامة هو جمع الأموال.

وقد جعله عملُه في جمع الأموال، ومكانته البارزة إلى حدٍّ ما؛ نظرًا لاسمه الشهير، على اتصالٍ بكبار الشخصيات في الحكومة السعودية. التقيتُه ثلاثَ مرات أو أربعًا في حفلات الاستقبال في باكستان، ووجدته شابًّا لطيفًا ومهذبًا للغاية، وكان حماسيًّا لكنه لطيفٌ، وكان خفيضَ الصوت عندما يتحدث. وقد ترك الانطباعَ نفسَه لدى أعضاء آخرين في الحكومة قابلوه.

وحين سنحَت الفرصةُ أسَّس أسامة دار الضيافة ومركز الاستقبال الخاص به «دار الأنصار». تاريخيًّا، كان الأنصار هم من نصروا النبي ﷺ عندما أسس أول دولة إسلامية في المدينة المنورة، لذا فإن الاسم الذي اختاره أسامة أعطى مؤسسته طابعًا دينيًّا مميزًا. افتُتِحت الدار في وقت بدأ فيه العرب المشاركة في القتال على الجانب الآخر من الحدود؛ وهو ما يعني أنها أصبحت أكثرَ انخراطًا من «مكتب الخدمات» مع المتطوعين العسكريين.

أراد أسامة قوة عسكرية عربية على نطاق صغير جدًّا، وهذا ما أنشأه؛ فجنَّد حوالي 50 أو 100 من المجاهدين العرب، وجهزهم بالأسلحة التي اشتُرِيَت من سوق الأسلحة في بيشاور، وتمكن من نقل قوته عبرَ الحدود إلى أفغانستان. وداخل أفغانستان، بنى أسامة معسكرًا صغيرًا محصنًا حولَ الكهوف في الجبال بالقرب من قرية جاجي الحدودية قريبًا من خوست.

في أبريل 1987 هاجمت القوات السوفيتية هذا المُجَمَّع في إحدى الهجمات التي شنتها في المنطقة الحدودية. استمرت المعركة عدةَ أيام، وواجه فيها أسامةُ ومتطوعوه ضِعْفَ عددهم على الأقل من القوات الروسية، وقُتِلَ أكثرُ من 10 من العرب، ولم يكن بينهم سعوديون.

وكان دور أسامة في المعركة غيرَ مؤكد، وقد قدم بعد ذلك سردًا لما حدث لمجلة باكستانية، ووصف كيف كان في بداية المعركة ورفاقه في خندق يواجهون قوةً ساحقة من الدبابات والمروحيات. قال أسامةُ: إنه في مرحلةٍ ما بعد ذلك نام، دونَ سبب واضح، وعندما استيقظ كانت المعركةُ قد انتهت، ليرى أمامه حطامًا. كان المعنى الضمني هو أن تدخُّلًا إلهيًّا قد حدث؛ وأن الملائكة هم الذين حاربوا القوات السوفيتية وليس الرجال.

دعاية أسامة

نظَّم أسامةُ بن لادن كثيرًا من الدعاية لموقفه البطولي في باكستان والمملكة، فأجرى عدة مقابلات، وألقى بعض المحاضرات العامة، وأصبح من المشاهير الناشئين. وخلال الحملة الدعائية التقى الطبيب المصري أيمن الظواهري الذي كان أكبر منه قليلا، وكان من عائلة مصرية ثرية، وانخرط في السياسة الإسلامية عضوًا في حركة الجهاد الإسلامي المصرية، التي كانت فرعًا متطرفًا وعنيفًا من جماعة الإخوان المسلمين.

كان اللقاءُ بين الظواهري وأسامة مهمًّا؛ لأنه رغمَ وضوح أن أسامةَ كان شخصية قوية وحيوية، فإنه كان أيضاً شديدَ التأثر، ويبدو أنه كان يحب الحصول على دعمٍ من نوعٍ ما من مُرشِدٍ له. ولكون الظواهري أكبرَ سنًّا ولديه خبرة في السياسة والحياة أكثرَ من أسامة، أصبح هو ذلك المرشد.

نقطة تحول الحرب

بدأ موقف الحكومة السوفيتية من الحرب يتغير عندما أصبح ميخائيل جورباتشوف أمينًا عامًّا للحزب الشيوعي في يناير 1985، ومنذ تلك اللحظة أصبحت المناقشات داخل المكتب السياسي أكثرَ صدقًا، وأقل اعتمادًا على مجرد الاعتقاد. في فبراير من العام التالي، قال جورباتشوف أمام مؤتمر الحزب الشيوعي: «إن الثورة المضادة والإمبريالية حولتا أفغانستان إلى جرح نازف». بعد9 أشهر، في نوفمبر 1986، أخبر جورباتشوف زملاءه في المكتب السياسي أن الهدفَ يجب أن يكون انتهاء الحرب في «عام واحد، وبحد أقصى في عامين»، وتُسحب القوات، وكان البديل أن تشهد الحرب تصعيدًا كبيرًا في الرجال والمال والعتاد، وكان ذلك غير وارد.

وفي خطوة أولية، أزاح السوفيت الرئيس العميل لهم في كابول؛ ففي نوفمبر 1985، رتبوا لترقية الدكتور محمد نجيب الله، رئيس الشرطة السرية الأفغانية، إلى المكتب السياسي الأفغاني، وفي بداية مايو 1986 كانت الفكرة أنه يجب أن يبدأ في إعداد حكومته وقواته للاستمرار، مع انخفاضٍ كبير في الدعم السوفيتي.

ولم يكن العالم الخارجي، ولا أجهزة الاستخبارات، يعرفون سوى القليل جدًّا مما يدور في أذهان السوفيت في هذا الوقت. من الواضح أن خطاب «الجرح النازف» كان شديدَ الأهمية، لكن لم تكن لدينا أيُّ فكرة في عام 1986 عن مدى القلق الذي وصل إليه الروس. كان ما يشغلنا هو خوضُ الحرب، وتجنب الهزيمة في ذلك التوقيت؛ وكنا قلقين بشكل خاص بشأن الخسائر التي تكبدها المجاهدون بسبب الطائرات والمروحيات السوفيتية.

سُلِّحَت القوات الأمريكية بصاروخ ستينجر في عام 1981، لكنه لم يُستخدَم في المعركة ولا تزال تقنيته سريةً. وكان ما يثير القلق هو أنه إذا ما استُخدم هذا الصاروخ في أفغانستان فإنه سيقع عاجلًا أم آجلًا في أيدي السوفيت؛ بأن يغنموه في المعركة، أو أن يُباع إلى أحد عملائهم في الشرطة السرية الأفغانية. وقد يستولي عليه الإيرانيون، بل قد يجد طريقه إلى أيدي جماعة إرهابية. كان الرئيس ضياء الحق نفسه متوترًا بشأن الاغتيال؛ فقد تعرض خلالَ حياته لعدة محاولات اغتيال، وكان قلقًا من أن يُستخدم الصاروخ ضد طائرته. في النهاية، رجَّحَ كفةَ التزويد بالصاروخ الهجومُ السوفيتي الكبير بالقرب من الحدود في إبريل 1986، وبعد أسابيع قليلة من الهجوم وافق الرئيس ريغان على الإمداد، وسافر المُدرِّبون الباكستانيون إلى الولايات المتحدة لتلقي التدريب في يونيو. وقد ابتكر الأمريكيون طريقةً لجعل الصواريخ غير صالحة للعمل بعد فترة معينة؛ وهو ما يعني أنه إذا لم يَستخدم أحد القادة صاروخاً خلال هذه الفترة، فسيتعيَّنُ عليه إعادته للاستبدال، وهذا يحدث من وقت لآخر.

في سبتمبر 1986 دخلت وحدة المجاهدين الأولى المجهزة بصواريخ ستينجر إلى أفغانستان، واقتربت من مطار جلال آباد بين الحدود الباكستانية وكابول. وفي غضون فترة وجيزة شاهدَت الوحدة عددًا من المروحيات الحربية تقترب؛ فأطلقت عليها خمسة صواريخ، ودمرت ثلاثًا منها.

في الأشهر العشرة التي تلت ظهور صواريخ ستينجر، دمرت الصواريخ أكثرَ من مئة طائرة ومروحية، وقد شجع ذلك المجاهدين على الاستمرار في عملياتهم خلالَ شتاء 1986-1987؛ وقد ساعدهم كذلك بدرجة كبيرة في ذلك الوقت تزويدُهم بالملابس الشتوية المناسبة. وقد يبدو غريبًا أنهم لم يوفروا هذه الملابس لأنفسهم، لكن من عادة الأفغان البقاء في منازلهم خلالَ أشهر الشتاء الباردة، ونادرًا ما يخاطرون بالخروج من قُراهم، ومن المؤكد أنه لم يكُن لديهم معدات تُمكنهم من البقاء في الجبال لأيام ممتدة. وقد كان شتاء 1986-1987 مهمًّا؛ لأنه كان أول شتاء لا يفقد فيه المجاهدون أرضًا حولَ كابول.

في مايو 1986، عرض السوفيت جدولًا زمنيًّا للانسحاب مدته أربع سنوات، وتعبيرًا منهم عن صدق نواياهم، سحبوا في يوليو قوة صغيرة قوامها 6000 رجل.