من بينها مبنى لسجن.. مشاريع مصرية تفوز بجائزة دولية في العما

كتبت- إشراق أحمد:

كان حلم أن يتجاوز عملهن حدود التخرج في الجامعة، لكن مع سبتمبر الجاري أصبح حقيقه؛ حصدت 4 طالبات في جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب أربعة مراكز في مسابقة مجتمع العمارة الدولي (.(WA Award

تقام المسابقة الدولية منذ عام 2006، تحت رعاية منظمة تسمى مجتمع العمارة الدولي، وتهدف لتسليط الضوء على المشاريع التي لديها القدرة على إلهام المعماريين، وتعطي الفرصة لمشاركة الطلاب لتكريم أفضل 10 مشاريع وعرض تفاصيلها، لعلها تجد الصدى عند المعنيين فيعملون على تنفيذها.

4 تصميمات لمباني قابلة للتنفيذ في مصر، يندرج كل منها تحت مجال مختلف، حرفي، بيئي، سياحي وأمني. اختارات الطالبات المشاريع بعد بحث، كل منهن خاضت تحدي لتحويل الخيال إلى فكرة واضحة التفاصيل،و يمكن تحقيقها على أرض الواقع.

مبنى التَلي لخدمة أهل أسيوط

علمت ندى مقبول بأمر المسابقة في اليوم الأخير للتقديم، 15 يونيو المنصرف، أخبرتها المشرفة على مشروعها أن تشارك. ارتبكت الخريجة الحديثة في قسم الفنون والتصميم، كانت هناك تفاصيل كثيرة للتقديم لكن ندى استجابت “قدمت من باب تقضية الواجب” كما تصف، لكن شيئًا في نفسها يدفعها للمحاولة، فسبق أن قضت 5 أشهر حتى ترى التصميم الكامل لحلمها المعني بتأسيس مركز لحرفة التَلي في مدينة أسيوط.

تهتم ندى بالأماكن المصنفة بالفقر، وحينما أُشترط أن تركز مشاريع التخرج على حل إحدى المشاكلات لعالمية، وجدت الطالبة مرادها “فكرت في حاجة تساعد الناس وتكون باب رزق لهم”، ومع إجرائها لبحث عن أكثر الأماكن فقرًا وما تشتهر به من صناعات، كانت أسيوط مفتاح فكرتها “فيها حوالي 65% تحت خط الفقر وعندهم حرفة يدوية اسمها التَلي ومحدش مهتم بيها رغم أنها ممكن تكون مصدر دخل كبير”.

لم يكن هناك مراجع تستند ندى إليها لمعرفة تفاصيل عمل صناع التَلي، فقررت السفر إلى أسيوط لجمع المعلومات بنفسها، كان ذلك في شهر فبراير المنصرف. رحلة لا تتعدى إقامة يوم، لكن عادت منها باكتمال رؤية المشروع. التقت ندى بأحد الفنانين الباحثين في الحرفة داخل مكان يعرف بـ”بيت التَلي”، لم يسعفها الوقت لمقابلة الحرفيين الغائبين حينها بسبب الكورونا، إلا أن الطالبة لملمت ما استطاعت من إجابات على تساؤلاتها.

2

كان التحدي لندى أن تُخرج تصميمًا “طبيعي” يشبه أسيوط وأهلها وفي الوقت ذاته لا تبتعد عن فكرتها بتصميم مكان يحمل طابع فني. وجدت الطالبة الحل في المادة نفسها “التلي أساسه العقدة اللي ليها بداية ووسط ونهاية وليه ألوان مميزة زي الأرزق والفضي والأسود والأبيض فاعتمدت على ده في التصميم”.

3 أقسام يضمها تصميم مركز التلي الحرفي المندرج تحت تصنيف المشاريع الثقافية “يبدأ بمعرض يعرف الزائر تاريخ التَلي، ومكان لورش العمل يعلم الناس إزاي بيتعمل، وأخيرًا ركن لعروض تقام كل سنة وتشترى منها المنتجات”، فلا يخرج الوافد إلا وقد علم عن الحرفة اليدوية بالمعرفة والتجربة.

3كانت رحلة السفر سببًا لإدراك ندى كيف يقضي صانع التَلي وقت عمله “مافيش لا آلات ولا مكان معين وممكن قطعة صغيرة تاخد شهر في شغلها”، مما جعلها تهتم بمكان عمل الحرفيين وتوفير ركن للاستراحة.

تعد هذه الدورة الثامنة والثلاثين لمسابقة مجتمع العمارة العالمي والتي تقام لأكثر من مرة في العام لتشجيع المعمارين على مشاركة أعمالهم، لكن التصميم الداخلي لم ينضم إليها إلا قبل أعوام في الدورة الثالثة والثلاثين، مما مكن طلاب كلية الفنون والتصميم في جامعة أكتوبر من المشاركة، وهذا العام تقدم 8 طلاب بمشاريعهم، ومن بينهم عايدة البطران.

مبنى الزهور للبهجة في الإسكندرية

منذ عام وتحلم عايدة بمشاركة تصميمها للتخرج في المسابقة “عشان عارفة أهميتها للمشروع”، رغم أن العائد معنوي، لكنها تعطي فرصة لنشره على مستوى دولي “السنة اللي فاتت في مشروع من اللي فازوا هيتنفذ”، وكذلك تتمنى عايدة لمشروعها القائم على تأسيس معرض لفن الزهور.

4تهوى عايدة الزهور، لديها شغف بتنسيقها مثل التصميم المعماري، فأرادت أن تجمع بينهما في مشروعها وعلمت أن الاهتمام بتنسيق الزهور “مش مجرد شوية ورد في فازة”، بل فن قديم يرجع لقدماء المصريين لدرجة استغلال النباتات في معمارهم، لكن كانت الصعوبة في إيجاد نموذج يحمل فكرة قريبة مما تريد

على مساحة 3 آلاف متر مربع، في نهاية حدائق المنتزه بالإسكندرية، تتواجد صوبة زجاجية تضم نباتات وأزهار نادرة مقامة منذ عهد الملك فؤاد عام 1934 لكنها غير مفتوحة للزائرين. فكرت عايدة لماذا لا يكون مشروعها عن ربط المبنى القديم بآخر جديد يحمل الهدف ذاته من متعة التعامل مع الزهور ورؤيتها لكن يكون متاح للجمهور، فجاء تصميمها لـ”انثوفيليا” والذي يعني إدمان الورد كما تقول الطالبة ل.

5يعتمد مبنى الزهور على فكرة العودة للطبيعة، أوجدت عايدة تصميمًا مستوحى من الزهرة “الإطار اللي ربنا خلقه في الوردة وبيربط مكوناتها أخدته وصممت بيه مساحات المكان بحيث تتداخل وتتجانس زي الزهرة”. وضعت الطالبة بصمتها وهو ما تتمنى أن تواصل فعله في مشوارها المقبل.

سجن “ارماديلو” في العاشر من رمضان

مازالت تتذكر ندى البنا رد الفعل حين طرحت فكرتها بتصميم سجن تتوفر فيه معاير السلامة الأمنية والنفسية. “اترفض مرتين” تبتسم بينما لا تصدق انتصارها ليس فقط بتنفيذ مشروع تخرجها كما تريد في نهاية الأمر، لكن لاختياره ضمن التصميمات المصرية الأربعة الفائزة في المسابقة الدولية.

دون الطالبات الفائزات. تخرجت ندى العام الماضي وتقدمت بمشروعها للمسابقة، لكن تم حجب فرع الطلاب السنة الماضية وترحيل مشاريع المتقدمين لهذا العام.

كان مضمون مشاريع خريجي قسم الفنون والتصميم لعام 2020 يرتكز على التفكير في مشاريع مستقبلية لمصر ومن بينها مجال الصحة النفسية. أرادت أن تقدم ندى عملاً هندسيًا جديدًا “لقيت أن السجن أكتر مكان بيحصل فيه مشكلة نفسية ومفيش حد خاض التجربة قبل كده”. تحمست الطالبة لتقديم نموذج لسجن مصري لا يغفل العقاب وفي الوقت ذاته يعبر عن السبب الأساسي منه “أن يكون إصلاح للسجين عشان يخرج تاني للمجتمع بني أدم أفضل مش اسوأ”.

6عملت ندى بشكل مختلف عن رفاقها، اضطرت لجمع كافة المعلومات ووضع رؤية متكاملة لإقناع القائمين في الكلية بفكرتها، ولم يكن هذا يسيرًا “مفيش أي معلومات ولا تصميمات أقدر أرجع لها”، ولولا إنتماء أحد معارفها للمؤسسة الشرطية لكان الأمر أكثر صعوبة كما تصف. أجرت الطالبة مقابلة رسمية مع أحد المسؤولين في إدارة مصلحة السجون، وبعدها تمكنت من وضع أساس لتصميمها.

بين العديد من التساؤلات، انشغلت ندى بمعرفة “المساجين بيقضوا وقتهم بيعملوا إيه؟”. انزعجت بشدة حينما علمت أن السجين يكون أغلب الوقت داخل الزنزانة ويتناول الطعام داخلها، لذا كان أول تفكير لها في تصميم الزنازين، وبعد المقابلة علمت أن المطعم أكثر مكان يحدث فيه المشكلات “ففكرت إزاي الأمن يتواجدوا فيه”، أما القسم الثالث تمثل في ورش العمل “المكان اللي بيشتغلوا فيه ويطلعوا الغضب في منتجات وصنعة تفيدهم”.

7اخذت ندى سجن العقرب نموذج للدراسة عن تصميم السجون، مقابل سجون في الدنمارك تم تصنيفها بأنها الأفضل عالميًا أمنيًا والأقل عنفًا حتى أنها وصفت بكونها “سجون أدمية”، وخرجت بهوية تنعكس على مشروعها “لقيت أن أقرب حاجة تعبر عن اللي عايزة اعمله هو حيوان المدرع اللي لما بيحس بخطر بيقفل على نفسه ومحدش يقدر يخترقه”، وجدت أن هذا ما يسعى إليه أي سجن في العالم، وكذلك عملت ندى على تصميم سجن “أرماديلو” والذي يعني المدرع.

خلاف العديد من المشاريع، حاز الجانب التقني على مساحة كبيرة من تصميم ندى “دورت كتير على أجهزة المراقبة ودرست نظم الحماية ودمجت ده مع تصميم الزنازين وفكرة الإضاءات والحرارة اللي بتأثر على الصحة النفسية”، غلب اللون الأصفر على المشروع، ومالت الطالبة إلى البساطة أكثر من الفنيات، واختارت له مكان في طريق العاشر من رمضان- بلبيس “لأنها منطقة كلها طرق سريعة ومن الصعب يحصل زحف عمراني قريب فيها وكمان لأن المكان قريب منه محكمة”، وخصت ندى السبب الأخير لأنه يقلل احتمالية حدوث مشاكل أثناء نقل المساجين.

محاكاة لصناعة “الألباستر” في الأقصر

كانت الأقصر قبلة فرح وائل لتنفيذ مشروعها، أما التحدي فكان في إيجاد تصميم يفيد حرفة قتلها العديد حديثًا. اختارت طالبة جامعة أكتوبر تشكيل “الألباستر” كمهنة يعرفها أهالي قرية القرنة ويتوارثونها أبًا عن جد في أحد أكثر الأماكن التي تهتم بهذه الصناعة المرتبطة بالسياحة “بيتعمل منها التماثيل والهدايا لأنها شفافة وبتعدي الضوء فبتدي ألوان جميلة”.

8قررت فرح أن تصمم بناء ينقل “صنعة” الألباستر من القديم إلى الحديث “الأماكن اللي بيشتغل فيها الحرفين بدائية رغم أنها غنية بالتفاصيل”. تذكر الطالبة كيف يرسم العمال خطوات صناعة منتجات الألباسر على الجدران المحيطة بهم، بداية من استخراجه من الأرض، وأن تلك طريقتهم لتعريف الزوار بهم وبحرفتهم.

في مسار شبيه بمحاكاة وضعت فرح فكرة مشروعها، أن يتشكل المبني من أقسام تأخذ الزائر في رحلة، تبدأ بتاريخ الألباستر من خلال عرض نقوش ومنتجات باستخدام التكنولوجيا، ومكان لورش بإمكان الوافد صناعة قطعته بنفسه، وأخيرًا “كهف” يمنح الشعور بالتواجد في المحاجر، فيما لا يغيب المادة بلونها المرمري عن الأجواء.

9لم تكن فرح تعرف شيئًا عن الألباستر قبل مشروع تخرجها، مع البحث ومقابلة أحد عمال المصانع الموجودة في الأقصر، زاد يقين الطالبة فيما تفعل “قدرت أكتر الناس اللي حافظت على المادة دي وبيعلموها بحب ويورثوها لأجيال لغاية دلوقت”.

تقبل فرح ورفيقاتها على مرحلة جديدة من الحياة بعد التخرج، منحتهن المسابقة دفعة معنوية، فيما لا يغيب عنهن رغبة في النظر لمجال التصميم الداخلي كجزء أساسي من العمارة وليس مجرد ألوان جمالية وأشكال “التصميم ممكن يغير أفكار ويساعد الناس على تغيير المسار اللي متعودة عليه”.