ميخائيل ميلشتاين: “إسرائيل” يجب أن تقرر.. استراتيجية سياسية متوازنة أم “عقيدة يوشع بن نون”

القناة 12 العبرية – بقلم د. ميخائيل ميلشتاين (رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية بمركز موشيه دايان بجامعة تل أبيب)

 في عام 2017، نُشرت “خطة الإخضاع” التي صاغها “بتسلئيل سموتريتش”، والتي يعتقد أنها تهدف إلى إحلال السلام وإرساء حل طويل الأمد لـ “الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”.

في تحليله، هاجم “سموتريتش” بشدة الأفكار السياسية التي طرحها “بنيامين نتنياهو” على مر السنين، مثل منح الحكم الذاتي للفلسطينيين أو إقامة “دولة ناقصة”، والتي عرّفها بأنها تلاعب بالكلمات لا تختلف إطلاقاً عن وجهات نظر اليسار.

منذ نشر خطته، عبّر “سموتريتش” في مناسبات لا حصر لها عن أهدافه طويلة المدى في الموضوع الفلسطيني، بما في ذلك: تطبيق السيادة (تدريجياً) على كامل المنطقة الواقعة بين البحر ونهر الأردن، ومحو الخط الأخضر، من خلال إلغاء الإدارة المدنية التي ترمز بحسب طريقته إلى الوضع الاستثنائي لـ “المستوطنات الإسرائيلية” في الضفة الغربية، وتكثيف “الاستيطان الإسرائيلي” في الضفة الغربية (للوصول إلى هدف مليون مستوطن في المنطقة)؛ واختفاء السلطة الفلسطينية.

كل هذا، مع ترك الغموض فيما يتعلق بوضع العرب: يمنح الفلسطينيون في الضفة الغربية إدارة ذاتية محدودة وإمكانية (ربما) للتجنيس في “إسرائيل” في المستقبل، وقد وصف فلسطينيي 48 أنهم ” مقيمين … في الوقت الحاضر”.

وفقاً لطريقة “سموتريتش”، فإن إدراك هذه الرؤية لا يعني الفصل العنصري، وقد أوضح أن “إسرائيل” ستكون قادرة على الاستمرار في الوجود كدولة ديمقراطية حتى عندما تكون بحوزتها كامل “أرض إسرائيل” التاريخية التي يوجد فيها مجتمعان لهما مكانة مدنية مختلفة.

الإعلان الصارخ بشأن “محو حوارة ” ليس تقسيم لغوي أو تصريح لم يُفهم أو يُصاغ بشكل صحيح، ولكنه جزء من تغيير منهجي مفصل في منشورات وخطابات “سموتريتش” وفي برنامج الصهيونية الدينية.

 هذه رؤية ذات جوهر توراتي يجب أن تحل محل استراتيجية منظمة تتطلب صياغتها مراعاة الاعتبارات الدولية والأمنية والاقتصادية.

كان رد “سموتريتش” على هذه الاعتبارات أن التفسير الصحيح لصلاح وعدالة “خطة الاخضاع ” قد يقنع دول العالم المنهمكة هي الأخرى بمشاكلها الداخلية ولا تبدي اهتماماً بالفلسطينيين.

حكومة واحدة وأجندتان

 وهو نفسه متمسك بـ “مبدأ العقبة”، الذي يجسد التطلع إلى الحفاظ على الاستقرار الحالي في الساحة الفلسطينية، بما في ذلك تجديد التنسيق الأمني، وتقوية السلطة الفلسطينية، والحد من الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، في حين يذهب إلى معسكر “انقلابي” داخل حكومته يسعى إلى تدمير الواقع وخلق واقع جديد مكانه.

لا يرفض هذا المعسكر الوضع القائم فحسب، بل يرفض أيضاً القوانين التي تمكنه، بل يتصرف كمعارضة داخل حكومة تدعم من يخالف القانون، كما تجلى في الشهرين الماضيين في إخلاء بؤرة “أور حاييم” الاستيطانية، وبؤرة “الكرم” في منطقة رام الله، وبؤرة “إفيتار”، وكذلك على صلة بأعمال الشغب في حوارة، بما في ذلك التوتر الذي نشأ عقب صدور مذكرات توقيف إدارية بحق اثنين من المشتبه بهم في أعمال شغب بالقرية.

في الحكومة الحالية المليئة بالتوترات، هناك أجندتان متعارضتان بشأن القضية الفلسطينية، مما يؤثر سلباً على صورتها في الداخل والخارج، وهذا قد يؤدي إلى إحداث شقوق داخل الحكومة قد تتسع في المستقبل.

في ظل هذا الارتباك المدمر، اشتدت التهديدات الأمنية ضد “إسرائيل”، ولحقت أضرار جسيمة بصورتها الدولية (كما عبرت عنه إدانة الإدارة الأمريكية الحادة للبيان الخاص بـ “محو حوارة”)، وحدثت حالة من الارتباك في المنظومة الأمنية، والذي يبرز في سياق وحدة تنسيق عمليات الحكومة في الضفة الغربية، حيث تم تحديد السلطة المدنية السياسية في قلب هيئة عسكرية (وزارة الجيش).

في الخلفية، هناك تركيز مستمر على الجوانب الرمزية، مثل التشريع ضد التلويح بالعلم الفلسطيني، مع تحويل الانتباه والجهد المطلوبين للمعالجة الفورية للقضايا الوجودية، وعلى رأسها القضية النووية الإيرانية.

يجب على “نتنياهو” أن يوضح أن “إسرائيل” تحكم في ضوء سياسة واحدة منظمة مصحوبة بعالم قيم مستقر وواضح، لا يهدده ازدواجية التصريحات والتفسيرات.

المطلوب من رئيس الوزراء أن يقود البلاد على أساس اعتبارات سياسية واقعية معقدة، يكون على دراية جيدة بها، وعدم السماح للمفاهيم ذات الخصائص “الهالاخية التوراتية”، والتي تستند أحياناً إلى أسس أخلاقية مختلفة عن تلك الخاصة بقوانين الدولة، لتشكيل الواقع.

إن الضرر الاستراتيجي الجسيم الذي تسببه الفوضى السياسية هو النهج المستمر لواقع -الدولة الواحدة- وهو سيناريو الرعب غير المرغوب فيه من وجهة نظر الأغلبية في “إسرائيل”، وهدف معلن لأقلية في الحكومة يملي الهدف الذي تتحرك البلاد نحوه.

يجب أن يكون “مستوطنو إسرائيل” على دراية بهذه الديناميكية، وأن يفهموا آثارها العميقة على واقع حياتهم، وأن يقرروا ما إذا كانوا يوافقون على أنها ستتجسد أو يرغبون في مناقشة البدائل الممكنة، كل هذا قبل أن يصل إلى نقطة اللاعودة.

ميخائيل ميلشتاين (رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية بمركز موشيه دايان بجامعة تل أبيب)

الهدهد