هل تنقذ «صفقة ميرفي» بشار الأسد ؟

بعد 10 سنوات من الصراع والحرب في سورية، لا يزال بشار الأسد جزءا من معادلة الحل والمشكلة ذاتها، لكن أياً من الحلول المطروحة على الطاولة الدولية والإقليمية لم تتمكن من تغيير المعادلة السورية القائمة على وجود الأسد أو إزاحته، وأيهما الخيار الصواب لإنهاء الصراع السوري، فيما بات هذا السؤال الصعب يسيطر على المشهد السوري «ما الفائدة من هذا النظام؟»، وهل يمكن أن يحيا من جديد بعد القطيعة العربية والإقليمية والدولية على مدار السنوات العشر الماضية، فضلا عن الجرائم والدمار اللذين لحقا بالشعب السوري؟!

يظهر النظام، الذي حظي بدعم روسي إيراني مفتوح لدرجة «الدين بالجميل» لهاتين الدولتين، من جديد على أنه قادر على الحياة والتكيف مع المرحلة الجديدة رغم انهيار شبه كامل من الأعماق خصوصا على المستوى الاقتصادي، لكن الظروف المحيطة دائما ما تصب في مصلحته بشكل أو بآخر، فقد حالفه الحظ في الكثير من المنعطفات، فهل يحالفه الحظ من جديد ليُكتب له عمر جديد؟!

يرى بعض المراقبين أن صفقة الغاز الأخيرة من مصر إلى الأردن مرورا بسورية إلى لبنان إشارة أمريكية لجهة التغاضي عن عقوبات قيصر، بينما شكلت عودة العلاقات مع الأردن إشارة ثانية، تبعها ترحيب أمريكي باستئناف الرحلات الجوية بين عمان ودمشق سرعان ما تراجعت الولايات المتحدة عنه، ليبقى السؤال هل فعلا صفحت أمريكا عن الأسد؟

القصة بدأت في الثاني من سبتمبر الماضي، حين ترأس السيناتور الديموقراطي كريس ميرفي وفداً من مجلس الشيوخ في زيارة إلى بيروت، ضمت كريس فان هولين وريتشارد بلومنثال وجون أوسوف، وركزت مباحثات الوفد على الواقع الاقتصادي المزري وتخفيف الارتهان لإيران التي تقدم مواد نفطية إلى لبنان، فضلا عن التعاون الأمني مع الولايات المتحدة، والتقى الوفد الأمريكي الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس البرلمان بري وقائد الجيش العماد عون، وبعد جولة ميرفي واستطلاع الوضع في لبنان، خرج بنتيجة مفادها لا يمكن للبنان الاستغناء عن العمق السوري من أجل إبعاد إيران، وأبلغ ميرفي الإدارة الأمريكية أنه لا يمكن الاستغناء عن النفط والنفوذ الإيراني ما لم يتم تخفيف العقوبات عن النظام السوري الذي بدوره قادر على تأمين الغاز والكهرباء لبيروت، لكن ذلك يتطلب التعامل مع قانون عقوبات قيصر، وبمعنى أو بآخر غض النظر عن نظام الأسد.

بحسب مقال نشر في «ذا ناشونال» الإماراتية للكاتب بريانت هاريس في الأول من أكتوبر؛ فإن ميرفي أبلغ الإدارة الأمريكية أن خط الأنابيب يتطلب إعفاء من العقوبات الأمريكية بسبب مروره من سورية، وفي «تموز» قال العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بعد زيارته الولايات المتحدة ولقائه الرئيس بايدن إن الأسد باق ونظامه لن يغادر.

وذهبت «ذا ناشيونال» إلى القول إن العاهل الأردني حث الرئيس الأمريكي على القبول بصفقة الغاز عبر سورية، وبالفعل تطابقت توصيات الملك عبد الله الثاني مع نتائج توصية ميرفي للإدارة الأمريكية، بأن الحل الوحيد لإنقاذ لبنان من الأزمة وإبعاد التأثير الإيراني المضي في صفقة الغاز العربية بين الدول الأربع، ومن هنا جاء الإذن بصفقة الغاز المصري عبر الأراضي السورية التي أعادت المشروع المندثر منذ سنوات.

في اليوم التالي من زيارة الوفد الأمريكي إلى بيروت في الثاني من سبتمبر، انتقل وفد وزاري لبناني إلى دمشق لبحث مسألة الغاز والكهرباء من سورية إلى لبنان بعد موافقة أمريكية على هذه الزيارة، وهي الأولى من نوعها على المستوى الاقتصادي والسياسي إلى سورية، بعد أن اتبع لبنان سياسة النأي بالنفس طوال السنوات الماضية حيال الوضع في سورية.

وتسارعت التحركات بطريقة مفاجئة حول سورية بعد زيارة ميرفي، ففي الخامس من سبتمبر وبعد يومين من زيارة الوفد اللبناني إلى دمشق، التقى وزراء الطاقة في الدول الأربع (مصر، الأردن، سورية، لبنان)، من أجل وضع الاستراتيجية الإقليمية لإمداد لبنان بالغاز والكهرباء وفي ذات الوقت إعادة إحياء الدور السوري في هذا المشروع، وعلى الفور بدأ النظام السوري بصيانة البنية التحتية لهذا المشروع على الرغم من حجم الدمار الذي لحق بها على نفقته الخاصة حسب الاتفاق!!

وفي الثالث من أكتوبر توجت الحركة السياسية والاقتصادية حول سورية باتصال الأسد بالعاهل الأردني لتبدأ عمان برحلة التطبيع مع النظام السوري على مبدأ «الأقربون أولى بالتطبيع»، وسبقها فتح المعابر بين البلدين بشكل رسمي.

كل هذه الارتدادات السياسية والاقتصادية حركها السيناتور ميرفي الذي يصفه البعض بأنه امتداد لحقبة الرئيس السابق باراك أوباما المعروف بتجاوزه الكثير من الخطوط الحمراء حيال نظام الأسد، مكتفيا بهذه الخطوط دون أية سياسة أمريكية خاصة بسورية.