40 عاما من الاستقرار والتوحيد رسمت ملامح الدولة

في يوم التأسيس لابد وأن نتلمس مسيرة المؤسس الإمام محمد بن سعود، تلك المسيرة التي يجب أن نستذكرها، فلقد قضى حياته في الاستقراء والتأني والرؤية المستقبلية، وبدأ منذ توليه الحكم التخطيط للتغير عن النمط السائد خلال تلك الأيام، فأسس لمسار جديد في تاريخ المنطقة، تمثل في الوحدة والتعليم ونشر الثقافة، وتعزيز التواصل بن أفراد المجتمع والحفاظ على الأمن.

ترتيب الأوضاع

ولد الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن عام 1090 ه «1679 م». ونشأ وترعرع في «الدرعية» واستفاد من التجربة التي خاضها في شبابه، حين عمل إلى جانب والده في ترتيب أوضاع الإمارة، وهو ما أعطاه معرفة تامة بكل أوضاعها.

وشارك الإمام محمد بن سعود في الدفاع عن «الدرعية» عندما غزاها سعدون بن محمد زعيم بني خالد بالأحساء، واستطاع الصمود ودحر الجيش المعتدي.

نشر الاستقرار

وعُرف عن الإمام صفات متعددة، كالتدين، وحب الخير، والشجاعة، والقدرة على التأثير، وكان محمد بن سعود امتداداً لتاريخ أسلافه الذين بنوا الدرعية وحكموها، وانتقل بها من دولة المدينة إلى دولة واسعة.

وتولى الإمام محمد بن سعود الحكم في أوضاع استثنائية، في منتصف عام 1139 «فبراير 1727 م»، فقد عانت الدرعية قبيل توليه الحكم من ضعف وانقسام لأسباب متعددة، منها النزاع الداخلي على إمارة الدرعية، بين عمّه الأمير مقرن بن محمد، والأمير زيد بن مرخان، وكذلك حملة الدرعية على العيينة، ومقتل الأمير زيد بن مرخان، ومنها كذلك انتشار مرض الطاعون في جزيرة العرب، خلال تلك الفترة وتسببه في وفاة أعداد كبيرة من الناس، ومع كل هذه التحديات استطاع الإمام محمد بن سعود، أن يتغلب عليها وأن يتخطاها ويوّحد الدرعية، وأن يسهم في نشر الاستقرار في منطقة العارض.

استقراء وتأنٍ

وكان الإمام محمد بن سعود حاكاً حكياً وفياً، تربى في بيت عز وإمارة وتعلم السياسة، وطرق التعامل مع الإمارات المجاورة والعشائر المتنقلة، وقد كان له أثر كبير في استتباب الأوضاع في الإمارة قبل توليه الحكم، وفي الوقت نفسه تحلى الإمام محمد بن سعود برؤية ثاقبة، فقد درس الأوضاع التي كانت تعيشها إمارته والإمارات التي حولها بشكل خاص، ووسط الجزيرة العربية بشكل عام، وبدأ منذ توليه الحكم التخطيط للتغيير عن النمط السائد خلال تلك الأيام، فأسس لمسار جديد في تاريخ المنطقة، تمثل في الوحدة والتعليم ونشر الثقافة، وتعزيز التواصل بين أفراد المجتمع والحفاظ على الأمن.

وقد كان له من الأبناء أربعة، وهم: عبدالعزيز، وعبدالله، وسعود، وفيصل، وكان محبّاً للخلوة والتأمل والتفكر، وهو ما يدل على شخصيته في الاستقراء والتأني والرؤية المستقبلية.

وفاء دين

وذكر الثقات من المخبرين عن شأن محمد بن سعود، أنه كان رجلاً كثير الخيرات والعبادة، وكان أبوه سعود وجده محمد أميرين على إمارة الدرعية، وكان جده محمد كريم الطبيعة، كثير الرزق، له أماكن كثيرة من نخل وزروع، قيل من سخاء الإمام محمد بن سعود أن الرجل كان يأتيه من البلدان يطلب منه شيئاً كثراً لوفاء دين عليه، فإذا عرف أنه محق أعطاه إياه، حتى إنه في إحدى السنين وفد عليه رجل من أهل بريدة اسمه ناصر بن إبراهيم، وكان تاجراً، لكنه أفلس، حيث كان يشتغل ببعض أموال الناس فصرفها، وكان الذي عليه أربعة آلاف ذهباً، فلما وصل الدرعية أبدى الأمر لمحمد ابن سعود، فأعطاه أربعة آلاف ذهباً، فقال له أولاده: أتعطي رجلا لا تعرفه إلا بالاسم هذا المبلغ؟ فقال: نعم. يا أولادي، الدنيا إنما جعلت لكرامة بني آدم، فالخرِّ منهم ذو الرف إذا ذلَّ ينبغي إعانته بما يمكن لئلا يزدريه السفلة، وناصر بن إبراهيم قد سمعتم به أنه رجل كان ذا مال وشرف، وقد اضطره الزمان، فعلى الناس الكرام إبداء الخر لمثله.

كسوة أو متاع

وكان المعهود من الإمام محمد بن سعود، أنه لا يرى شابّاً من أهل بلدته وجماعته غر متزوج إلا سأل عن حاله. فإذا قيل له: لا يملك شيئاً من جهاز جهَّزه، وأمره بالزواج، وإذا امتنع أحد أن يعطي ابنته لشخص خطبها وهو كفؤ إلا سار بنفسه إليه، وعاتبه في ذلك، وربما اشرط على نفسه أن زوجوا هذا فلانة، فإن أصابها منه ضرر من كسوة أو متاع أو سكن، فأنا ضامن به، وكان كذلك يفعل لا محالة، وذلك لحسن سيرته وسريرته، ورغبته في التئام جماعته وكثرة خيرهم بالتناسل والتعاضد، وكان يحب الخلوة. قيل: إنه كان يأتي البيت، فيجلس وحده، ولا يريد أحداً من أولاده أو نسائه أن يدخل عليه. وكان لا يرضى الحرب مع أحد ولو عيل عليه، ويأمر جماعته بإطفاء الفتن دائماً.

وتوفي الإمام محمد بن سعود عام 1179 هـ «1765 م» بعد 40 عاماً من القيادة والتأسيس.

أبرز أعمال الإمام محمد بن سعود

تم تأسيس الدولة السعودية الأولى وتوحيدها وبناؤها في عهد الإمام محمد بن سعود

على مرحلتين:

الأولى خلال الفترة «1139 – 1158 ه / 1727 – 1745 م» وكان من أبرز أحداثها ما يأتي:

– توحيد شطري الدرعية وجعلها تحت حكم واحد، بعد أن كان الحكم متفرقاً في مركزين.

– الاهتمام بالأمور الداخلية وتقوية مجتمع الدرعية وتوحيد أفراده.

– تنظيم الأمور الاقتصادية للدولة.

– بناء حي جديد في سمحان، وهو حي الطرفية، وانتقل إليه بعد أن كان حي غصيبة هو مركز الحكم مدة طويلة.

– نشر الاستقرار في الدولة في مجالات متنوعة.

– الاستقلال السياسي وعدم الولاء لأي قوة، في حين أن بعض بلدان نجد كانت تدين بالولاء لبعض الزعامات الإقليمية.

– إرساله أخاه الأمير مشاري إلى الرياض لإعادة دهام بن دواس إلى الإمارة، بعد أن تم التمرد عليه بناءً على طلب دهام المعونة من الدولة السعودية الأولى.

– مناصرة الدعوة الإصلاحية التي نادى بها الشيخ محمد بن عبدالوهاب، الذي اختار الدرعية لقوتها واستقلالها وقدرة حاكمها على نصرة الدعوة وحمايتها.

– التواصل مع البلدات الأخرى للانضمام إلى الدولة السعودية، وقدرة الإمام الكبيرة على احتواء زعاماتها، وجعلهم يعلنون الانضمام للدولة والوحدة.

– بناء سور الدرعية للتصدي للهجات الخارجية القادمة إلى الدرعية من شرق الجزيرة العربية.

المرحلة الثانية من التأسيس خلال الفترة «1159 – 1179 ه / 1746 – 1765 م» وأبرز ما فيها:

– بدء حملات التوحيد، وتوليه قيادتها.

– توحيد معظم منطقة نجد وانتشار أخبار الدولة، في معظم أرجاء الجزيرة العربية.

– القدرة على تأمين طرق الحج والتجارة، فأصبحت نجد من المناطق الآمنة.

– النجاح في التصدي لعدد من الحملات التي أرادت القضاء على الدولة في بدايتها.

أبرز إنجازات الإمام محمد بن سعود

– توحيد الدرعية تحت حكمه والإسهام في نشر الاستقرار

– بناء حي الطرفية بجانب غصيبة

– الاهتمام بالأمور الداخلية وتقوية مجتمع الدرعية

– الحرص على الاستقرار الإقليمي

– دعوة البلدات للانضمام إلى الدولة السعودية

– بناء سور الدرعية للتصدي للهجمات الخارجية

– الاستقلال السياسي وعدم التبعية لأي نفوذ

– تنظيم موارد الدولة

– مناصرة الدعوة الإصلاحية وحمايتها

– توحيد معظم منطقة نجد

– التصدي لعدد من الحملات ضد الدولة

– تأمين طرق الحج والتجارة

– بدء حملات التوحيد