| «رضا» بائعة الخبز تحلم بالراحة بعد 27 سنة شغل: «اتولدت في السوق»

مع نسمات الصباح الباكر، تتحول الشوارع إلى سباقات ركض، إذ يريد الجميع للوصول سريعا إلى أعمالهم والهروب من ذلك البرد القارس الذى يلف الأجواء، لكن رضا محمد حافظت على هدوئها، فمكان عملها هو الشارع، إذ تبيع الخبز على «فرشة»، بلا أي وسيلة حماية من برد فصل الشتاء القاسي أو لفحات الصيف الحارقة.

«رضا» بدأت عملها في السوق منذ كانت طفلة

أصبح الجميع في شارع سليمان جوهر بحي الدقي يعرف «رضا»، 54 عاما، ويدرك أن لها من اسمها نصيب، فهي راضية بهذا الحال منذ 27 عاما، بينما يقتصر كل حلمها في حصولها على كشك صغير، يساعد جسدها الهزيل المريض على تحمل مسئولية أسرتها التي تعدّ بها هي العائل الأساسي: «أنا اتولدت في السوق على كلام أمي، لأن عيلتي كلها شغالين بياعين خضار وفاكهة وأدوات منزلية».

بدأت الأم الخمسينية عملها في السوق منذ أن كان عمرها 3 أعوام، إذ كانت تساعد والدتها في بيع الخضروات يوميا، إلى أن كبرت وتولت العمل بنفسها، لعدم وجود مجالا آخرا يمكنها امتهانه لإعانة أطفالها، إذ تعيش فى غرفة صغيرة وحمام مع زوجها و3 أبناء في عزبة «أولاد علام».

بيع الخبز يعين أسرة «أم يوسف»: مبقتش قادرة

تمثل الجنيهات القليلة التي تجنيها البائعة الشهيرة بـ«أم يوسف» من عملها في بيع الخبز المورد الأساسي للأنفاق علي أبنائها الثلاثة وزوجها المريض، فهي لم تحصل على أي تعليم بسبب فقر عائلتها، ولم تجد أي وظيفة مناسبة لها: «في الأول كان الشغل بالنسبة لي سهل، لأنى كنت بصحتي، مكنتش بخاف من حاجة، اصحى مع الفجر أفرش وأحط العيش قدامي وأبيع لغاية آذان المغرب، وعمري ما اشتكيت، لكن دلوقتي مبقتش أقدر»، كونها خضعت لعدة عمليات جراحية منها الغضروف، ما صعب حركتها ولكنها في الوقت نفسه غير قادرة على التوقف عن العمل لضمان مصدرا للعيش لأسرتها.

أصرت على تعليم أبنائها

يوم الأم الخمسينية ليس قاصرا على البيع طوال اليوم فقط، فمع عودتها للمنزل تبدأ مهمة أخرى: «ولما أروح البيت كنت بكمل شغل أطبخ وأنضف وأمسح»، بينما سعت بكل السبل أن تجنب أبنائها نفس المصير بالعمل نفسه، مهما كانت حالتها الصحية، لذا حرصت على دعمهم لمواصلة تعليمهم والحصول على شهادة «الدبلوم»: «أولادي حتى قبل ما يخلصوا تعليم بيحاولوا يساعدوني، وبدأوا يشتغلوا في سن صغير، بس أنا صممت أنهم يتعلموا وخدت منهم وعد أنهم يعلموا أولادهم مهما كانت الظروف علشان ميتبهدلوش نفس بهدلتي».

ترسم التجاعيد آثارها على وجه «رضا» بوضوح، دون اعتراض منها، فيعلوها ابتسامة حنونة، استخلصتها من رحلتها في «المعافرة» لكى تعيش بشكل «مستور» دون أن تلجأ لطلب المساعدة، ولكن حلمها الوحيد فى الحياة هو كشك تبيع فيه الخبز لراحة جسدها المريض، بدلا من الجلوس فى الشارع طوال النهار بدون أي حماية: «أنا يعتبر عايشة حياتي كلها فى الشارع من ساعة ما اتولدت لغاية دولقتي، وكل حلمي في الدنيا كشك صغير حتى لو متر اقعد فيه مرتاحة لأنى مريضة، ده أملي اللي نفسي حد يحققهولي قبل ما أموت».