| عليه أقساط.. مسنة تستغيث لإنقاذ حفيدها من السجن: عنده سرطان

أمام مسجد فاطمة الزهراء بـ مدينة نصر، الذي كانت تعمل فيه قبل أكثر من عام، تتكئ على الرصيف بجوار عدد من أدوات الخردة التي تأمل بيعها، لتدور عيناها بانكسار واضح بين المارة يمينا ويسارا، محاولة حماية جسدها العجوز من حرارة الشمس الشديدة التي زادت من سمرتها بـ«فرشة» صديقتها، فيما تبلل الدموع وجهها الشاحب الذي خط الألم بصماته فيه، لتسارع بيديها «الشقيانة» مسحهم، خوفا من تسولها العطف، بعزة نفس بالغة.

«منى» تعمل في خدمة البيوت من عمر 9 أعوام.. وزوجها تركها منذ ربع قرن: بحلم بمعاش 

منذ أن كانت في التاسعة من عمرها، عرفت منى خلف، حقيقة العمل الجاد و«الشقى»، من خلال عملها مع والدتها في تنظيف المنازل، لتكون مهنتها على مدار عمرها البالغ 65 عاما، تمكنت فيه من مساندة أسرتها الصغيرة، قبل أن يهجرها زوجها منذ أكثر من 25 عاما، برفقة طفليها، لتتولى دور الأب والأم وعائل الأسرة الوحيد.

لم تتوان الأم الستينية عن رعاية طفليها، لتستكمل تلك المهمة مع أحفادها الستة، حتى بعد انفصال أحد أبنائها عن زوجته، لتهتم بابنيها وأبنائهم بنفسها داخل شقة صغيرة في مدينة النهضة التابعة لمدينة السلام، مقاومة المرض والألم لأجلهم، وتحرص على إلحاق الأطفال بالمدارس، حتى بعد اكتشافها إصابتها بفيروس سي الوبائي بالكبد، قبل أكثر من عامين، الذي حاولت تحديه قبل أن تخر قواها أمامه ويثقلها عن عملها «مبقيتش قادرة أطلع على سلم ولا أقف أنضف وقت كبير»، لتصبح خادمة في مسجد فاطمة الزهراء دون أجر، وتعتمد على تبرعات المصلين، فيما حاولت الحصول على معاش استثنائي من وزارة التضامن، لكنها لم تتمكن بسبب الإجراءات الصعبة بالنسبة لها.

مع انتشار أزمة جائحة كورونا، وتعطيل المساجد، فقدت مصدر رزقها، وعلى غرارها ابنها الذي كان يعمل «استورجي موبيليا» بأحد المصانع، لتنقطع كل مصادر الرزق عنهم، فيفكر حفيدها «حسن» صاحب الـ22 عاما، في شراء «موتوسيكل» من أحد معارض الشرقية، لتوصيل الطلبات ومحاولة التيسير على الأسرة، ليضعوا فيه كل أموالهم البالغة وقتها 4 آلاف جنيه، ويوقع على إيصالات أمانه لسداد باقي المبلغ الذي يقدر بـ15 ألف جنيه.

الجدة تصطدم بمرض حفيدها: فجأة مبقاش بيتحرك واكتشفنا إصابته بسرطان

أيام معدودة بعد شراء حفيدها للموتوسيكل، اصطدموا بعدم قدرته على الحركة تماما، ليهرولوا سريعا به إلى العديد من الأطباء الذين لم يتمكنوا من تشخيص حالته، إلى أن أدعى أحدهم إصابته بخراج في النخاع الشوكي، وفي هذا الوقت تلقت مساعدة من أحد الجيران بتوصيل معاناة «حسن» إلى أحد أعضاء مجلس الشيوخ، ليبسط لهم يده بالدعم غير المتوقع.

حرص عضو مجلس الشيوخ على فحص حفيد منى لدى أحد الأطباء البارزين، ليكتشفوا إصابته بمرض نادر، هو السرطان بين فقرات العمود الفقري والنخاع الشوكي، وحاجته لعملية جراحية عاجلة، وما زالت العجوز تتذكر وقع تلك الكلمات على أذنها بقولها: «فجأة حسيت كأني مش في الدنيا وقعت من طولي وقلبي سبقني، مش عارفه هعمله إيه ولا أجيبله فلوس العملية منين، لقيت النائب بيقولي متخافيش يا حاجة أنا هتكفل بكل العملية، ومتشليش هم».

طوق نجاة سماوي هبط إلى «حسن» وجدته، مثلما تصفه، حيث تتجاوز تكاليف عمليته أكثر من 205 آلاف جنيه، لتستكمل بنفسها رحلته للشفاء، حيث يحتاج للعلاج الطبيعي ٥ مرات أسبوعيا، تبلغ تكلفة الجلسة الواحدة نحو 75 جنيها، تحاول السيدة العجوز توفيرهم بصعوبة بالغة في كل مرة، منذ رمضان 2020، لتتثاقل على جسدها المريض بمحاولة العودة للخدمة بين المنازل وبيع الخردوات في حرارة الشمس الشديدة بمدينة نصر، حتى تتمكن من جمع أي مبلغ يمكنه حفيدها من العلاج وتوفير الطعام لباقي أسرتها، لتتحدث مع دموعها وصوتها المبحوح: «مش عايزة أمد أيدي لحد، أنا غنية بربنا ومستورة، بس نفسي أحمي أحفادي اللي ملهمش غيري».

الأحكام القضائية تلاحق حفيد منى: الموتوسيكل اتسرق وعلينا أقساط بـ23 ألف جنيه

خلال تلك المعاناة الصحية البالغة التي واجهها «حسن»، فوجئت الأسرة بسرقة الموتوسيكل الذي اشتراه قبل مرضه، ووقع على إيصالات أمانة لسداد حقه بقيمة 15 ألف جنيه، لتزداد الفوائد عليه بقيمة 13 ألف آخرين، وسط عدم قدرتهم على توفير ربع تلك القيمة، لتنهال الأزمات مجددا على عائلة منى، بصدور حكم قضائي ضد حفيدها المريض بالسجن 3 أعوام لديونه.

«أنا مش عايزة علاج ليا، أنا كل اللي عايزاه أخلص ابن ابني من السجن، ده مشلول مش بيتحرك وعلاجه لساله سنين، وإحنا لا حول ولا قوة لينا».. بنحيب بالغ وانكسار شديد وجهت الجدة منى خلف نداء استغاثة لمساعدة حفيدها في أزمة ومساعدته بتسديد ديونه لعدم سجنه وحماية أسرتها الفقيرة.