استئناف مسيرات العودة.. اجتنبوا سلبيات المسيرات السابقة !

تقرر استئناف مسيرات العودة ، اليوم الجمعة ، الفاتح من سبتمبر/ أيلول ،  على حدود غزة مع الوطن المحتل ، وبرر مصدر فلسطيني  استئنافها باستمرار الحصار المشدد على غزة ، وبعجز الوسطاء عن إلزام إسرائيل بتنفيذ ما اتفق عليه في شأن تخفيف الحصار ثمنا لوقف المسيرات السابقة التي بدأت في 30 مارس / آذار 2018 في الذكرى الثانية والأربعين ليوم الأرض بنية مواصلتها  حتى 15 مايو / أيار الذي يوافق الذكرى السبعين للنكبة .
 واستهلت  القوات الإسرائيلية المتحصنة على الحدود أول مسيرة بقتل 16 فلسطينيا ، وإصابة 1416 بالرصاص واستنشاق الغاز . وكانت  مسيرة الرابع عشر من مايو أعنف وأدمى من كل ما سبقها لقتل  القوات الإسرائيلية 61 فلسطينيا ، وإصابة أكثر من 2400 آخرين حيث ؛ لأن  عدد المتظاهرين في ذلك اليوم كان كبيرا جدا احتجاجا على نقل إدارة ترامب السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس ، وصنفت كثرة الشهداء والمصابين بأنها  الأعلى منذ عدوان 2014 الإسرائيلي على غزة الذي دام 51 يوما .
وهوى النظام الصحي المنهك في غزة تحت ثقل  الأعداد الكبيرة من الإصابات ، وعبرت صحيفة بريطانية عن هول محنته  بقولها إن ما واجهه من ثقل  ومسئولية معالجة تلك الأعداد الكبيرة  يسبب  انهيار النظام الصحي في أي دولة أوروبية ! ويا بعد ما  بينه  وبينها في القدرات ! وانتهت المسيرات في 27 ديسمبر / كان الأول 2019 بتهدئة رتبها الوسطاء تعهدت فيها إسرائيل بتخفيف شيء من حصارها الخانق ، وتعهدت مصر بيومية سفر مواطني غزة من معبر رفح ، وكان لأميركا صوت في التعهدين . وسوء أحوال غزة بطبيعة كل ظروفها سوء مزمن ، وجاهز دائما لاندفاع مفاجىء أو متدرج نحو الأسوأ ،  ولا علاقة له أبدا بأي تحسن . في غزة مائتا ألف خريج جامعي من الجنسين  بلا عمل  وكل الأطراف تتخذ غزة كيس ملاكمة ، ورأسا للتصويب عليه ، واستعراض عضلات ومنكرات  إيذاء ، لا فرق في هذا بين عدو وصديق ، وقريب وبعيد .
متسيس متحزب في رام الله قال إنه لو كان بيده  منع الهواء عن غزة لمنعه . فيم اختلف عن رابين الذي تمنى قبله غرقها في البحر ؟! هو تمنى موتها اختناقا ، ورابين تمناه اغتراقا ، وتتنوع  أسباب الموت ويظل واحدا . وتستأنف غزة مسيراتها ثانية في جو اختلافات كثيرة عما كان في المسيرات السابقة . التطبيع العربي اتسع وتعمق مع إسرائيل فصار تحالفا مباهى  به من المطبعين أو المتحالفين العرب والمسلمين ، ومطبعون ومتحالفون جدد يهمون بأن يبدؤوا تطبيعهم وتحالفهم متحمسين متوهمين منه خيرا لا حدود له مدى وتنوعا في حالة من أغرب ما قد يكون من تحمس وتوهم . ولعاب إسرائيل يسيل ولسانها يتلمظ وذيلها يهتز يمنة ويسرة طمعا وسرورا . والمقاومة في الضفة والقدس تشغل إسرائيل وترعبها  على  جسامة ما يلاقيه شبانها من أخطار  وما يقدمونه من تضحيات في مقاتلة كيان هائل التسليح موفور الأنصار ، والعالم منشغل في حرب روسية أوكرانية طاحنة  يراها كل من  طرفيها  حرب بقاء أو فناء ، ويتخذها الناتو وأميركا نعمة  التاريخ لانتقام  نهائي قاصم من روسيا ، ولولا هدفهم الشيطاني هذا لانتهت الحرب بالتفاهم والتراضي بين الدولتين الشقيقتين في شهرها الأول ، وربما لما بدأت أصلا . في هذا الجو المتشعب الأبعاد تبدأ ، اليوم الجمعة ، المسيرات الجديدة ، والحكمة والعبرة توجبان  اجتناب سلبيات المسيرات السابقة التي استشهد فيها أكثر من 300 ، وأصيب أكثر من 30 ألفا ، إصابات بعضهم معيقة مدى حياتهم مثل قطع قدم أو قدمين ، وقطع يد أو يدين ، أو قلع عين أو عينين . وكان مألوفا في زمن المسيرات السابقة أن نرى من يحجل على رجل واحدة معتمدا على عكاز أو اثنين ، ومن يطوح نصفه السفلي أماما معتمدا على عكازين ، وكلهم شبان أو صبيان في فجر عمرهم أو ضحاه .

ومن وجوه الحكمة والعبرة الابتعاد عن السلك الفاصل بين جزئي الوطن ، واجتناب مواقع الجنود الإسرائيليين المحصنة ، وفيها أسلحة تطلق نيرانها آليا وفق ما تعرضه لها كاميرات المراقبة . والشبان والصبيان يميزهم الحماس والاندفاع وجهل عاقبة الحماس والاندفاع فيعرضون أنفسهم لموت سهل محتوم أو لإصابة معيقة مزمنة ما عاشوا ، وهو ما يريده الإسرائيليون لهم ، واستعدوا له .
والجنود الإسرائيليون بطبيعتهم النفسية التي يتملكها الخوف الملازم من خطر الإصابة أو الموت ، وبحكم تعليمات  قياداتهم ؛ يطلقون النار فورا على أي مصدر يرونه خطرا على حياتهم ، وتشتد هذه الفورية إذا كان المصدر فلسطينيا ، وغزيا تخصيصا  . وقاموا ، حسب ما أورده مراسل ” يديعوت أحرونوت ” بعد بث خبر المسيرات الجديدة بوضع جدران خراسانية في منطقة ناحال عوز شرقي غزة لحجب الطرق  القريبة من الحدود خشية إطلاق صواريخ مضادة للدبابات ، أما الأفراد فلا شبيه لمناعة تحصينهم وإحاطته بهم ، وكيف تكون حالهم أمانا وسلامة إذا نظرنا إلى سرعة تدخل الجيش جوا وبرا لإنقاذهم ؟! كتبت  في الثاني من أبريل / نيسان 2018، بعد المسيرة الأولى ؛ إنها ” بركان فلسطيني وطنياً  وإعلامياً ” ، وطنياً : تذكر “إسرائيل”  بأن فلسطين هي فلسطين ، و إعلامياً :  تنبه العالم إلى هذه الحقيقة التاريخية الخالدة ،  وهذا  هو  هدف  المسيرات  الجديدة مضافا إليه الإصرار على وجوب التوقف عن حصار غزة . وقد نحقق قدرا من هذا الهدف    شرط اجتناب سلبيات المسيرات السابقة .
كاتب فلسطيني