السلوك الاسرائيلي لمرحلة ما بعد الرئيس عباس.. د. سفيان ابو زايدة

من البديهي ان يكون هناك اهتمام اسرائيلي بما يجري في الساحة الفلسطينية ومحاولة التأثير على مجريات الامور ليس من باب التطفل و الفضول ولكن بحكم انعكاس ما يجرى في الساحة الفلسطينية من تطورات على الوضع الاسرائيلي سواء الامني او السياسي .
 من البديهي ايضا ان ينشغل الجانب الاسرائيلي بمحاولة وضع سيناريوهات و تقدير موقف لما سيحدث في حال غياب الرئيس عباس  و العمل على التأثير على مجريات الامور بما يخدم مصلحتهم.
كما هو الحال لدى الفلسطينيين ، هم ايضا يشغلهم الاجابه على السؤال حول السيناريو او السيناريوهات المختلفه التي من المحتمل ان تكون و اعداد الخطط اللازمه للتعاطي معها في حال غياب الرئيس عباس عن المشهد الفلسطيني ، سيما اذا كان الغياب بشكل مفاجئ.

مهمة اعطاء اجابات ووضع سيناريوهات و ايجاد حلول لكل سيناريو من هذه السيناريوهات  ملقاة بطبيعة الحال على عاتق الجيش الاسرائيلي اولا و بالتحديد شعبة الاستخبارات التابعه له و اكثر تحديدا القسم الفلسطيني في هذه الشعبة و التي تتابع كل صغيره و كبيرة تتعلق بالوضع الفلسطيني ، و الجهة الرسمية الثانية المطلوب منها اعطاء تقدير موقف و تصور واضح مبني على معلومات هي المخابرات الاسرائيلية . هناك جهات غير رسمية يمكن ان تستفيد منها الحكومة الاسرائيلية في تقدير الموقف و رسم السياسية الاسرائيلية على ضوء هذا التقدير و هي مراكز الابحاث المختصه و بعض الباحثين مثل مركز دراسات الامن القومي التابع لجامعة تل ابيب .
هذه الجهات مطلوب منها ان تعطي اجابات واضحه محدده سيتم اختبار صحتها من عدمه بعد حين قد يكون ليس ببعيد.

هناك من يعتقد ان لدى اسرائيل رؤيا واضحة كاملة و متكامله متفق عليها و ان الخطط جاهزه للتعاطي مع الموقف بعد غياب الرئيس عباس عن المشهد الفلسطيني وان الاسرائيلي يستطيع ان يؤثر على مجريات الاحداث ويوجهها بما يخدم مصالحه بما في ذلك تحديد من سيقود الشعب الفلسطيني في المرحلة القادمة.

لا شك ان اسرائيل تمتلك الامكانيات و القدرات بحكم سيطرتها عسكريا على الضفة الغربية و حصارها لقطاع غزة و ربط عجلة الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الاسرائيلي و سيطرتها على المعابر و الحدود و قدرتها على عزل كل محافظة او مدينة او قرية عن باقي المناطق الاخرى لكن كل هذا قد لا يكفي بالامساك بكل الخيوط المتشابكة سواء كان هذا الامر يتعلق بتعقيدات الحالة الفلسطينية او بالشخص او الاشخاص الذي تعتقد اسرائيل انه قد يكون مريح لهم و بالتالي تهيئة المناخ المناسب له .

ليس هناك مشكله لدى الجيش و الامن في الحصول على المعلومات اللازمه لبناء تقدير موقف صحيح نسبيا لطبيعة التطورات ، ليست هذه هي الصعوبة التي تواجهها اسرائيل. الصعوبات الحقيقية نابعه من الخلافات الجوهرية الايديولوجية و السياسية داخل اسرائيل في التعامل مع السلطة الفلسطينية و الموقف من حل الدولتين اكثر منه خلاف على الاشخاص من يفضلون و من لا يفضلون.

في حين يعتقد الجيش و الامن ان من  مصلحة  اسرائيل ان يتم المحافظة على السلطة بشكلها الحالي وعدم الدفع نحو انهيارها لان البديل هو الفوضى  و الانتفاضة و الاضطرار الى اعادة احتلال الضفة الغربية بشكل فعلي و كامل ، يعتقد اليمين الاسرائيلي بأن من مصلحة اسرائيل ان تنهار هذه السلطة  لان انهيارها يقضي على اي فرصه او امل في العوده الى طاولة المفاوضات على اساس حل الدولتين.

اليمين الاسرائيلي الذي يعتبر اليوم اغلبية في اسرائيل يعتقد ان اعادة السيطرة بشكل كامل على الضفة الغربية و القضاء على ما تبقى من اتفاقات اوسلو هو الحل الانسب لهم ، وعليه انهيار السلطة بعد رحيل الرئيس عباس و التعامل مع التجمعات السكانية الفلسطينية في المحافظات المختلفه بشكل منعزل هو الحل الامثل لهم. 
وجهة النظر هذه تختلف عن وجهة نظر الاحزاب السياسية التي تتآكل قوتها و تأثيرها بشكل تدريجي و التي ما زالت تؤمن بحل الدولتين و بالتالي الحفاظ على  السلطة الفلسطينية و العودة الى العملية السياسية هو الحل الامثل.

ثلاث سيناريوهات ستعمل اسرائيل على احباطهم او محاولة التأثير على عدم حدوثهن.

السيناريو الاول ان لا يكون هناك انهيار كامل للسلطة و اجهزتها الامنية و المدنية ناتجة عن عدم قدرة النظام السياسي الفلسطيني على الاستنهاض و التوافق بين القيادات الفلسطينية حيث الاعتقاد الاسرائيلي ان حالة الفوضى الداخلية ستنعكس بشكل مباشر على الوضع الامني الاسرائيلي و يعتقدون ان هذا الامر يخدم القوى الفلسطينية المعارضه و الاكثر تطرفا . حينها ستضطر اسرائيل الى اعادة السيطرة على الضفة الغربية بشكل كامل. هذا الامر يتعارض مع المصلحة الاسرائيلية العليا وفقا لرؤية الاجهزة الامنية في اسرائيل.

السيناريو الثاني الذي لا تريده اسرائيل هو ان  يكون هناك توافق فلسطيني فلسطيني على مرحله انتقاليه متفق عليها لمده شهرين او ثلاثه تجرى خلالها انتخابات تشريعية و رئاسية و اعادة ترتيب منظمة التحرير . هذا السيناريو مرفوض اسرائيليا لانهم يعتقدون ان هذا الامر قد يخدم حماس و يعزز من مكانتها في الضفة الغربية . على الرغم من اعتقادهم ان حدوث ذلك  احتمال  ضعيف جدا بحكم تعقيدات المشهد الفلسطيني و الاقليمي. 

والسيناريو الثالث الذي ترفضه اسرائيل و ستعمل على احباطه هو ان تأتي قيادة فلسطينية متطرفه من وجهة نظرهم ووفقا لمعاييرهم لا تؤمن بإستمرار العلاقة مع اسرائيل بشكلها الحالي وتسعى الى اعادة صياغة  العلاقة بين اسرائيل و السلطة على اسس جديدة.
تدرك اسرائيل و تأخذ بعين الاعتبار ان هناك تآكل لدور السلطة على حساب تعزيز دور منظمة التحرير الفلسطينية خاصة بعد ان اقدم الرئيس عباس على حل المجلس التشريعي و الغاء الانتخابات التشريعية و الرئاسية التي كان من المقرر ان تجرى العام الماضي.
لكن ما لا تدركه اسرائيل ان اي ترتيبات و اي سيناريوهات لن يكتب لها الصمود و البقاء  الا في حالتين فقط.
الحالة الاولى ان يكون هناك توافق فلسطيني فلسطيني داخلي،  وهذا ممر اجباري لاستقرار الوضع . و الحالة ثانية ان يكون هناك افق سياسي يعطي الامل للفلسطينيين بأنه ما زال هناك امل بأن يقيموا دولتهم المستقلة و يتخلصوا نهائيا من الاحتلال  .

خلاصة القول ان اسرائيل حائرة ايضا في قراءة المشهد الفلسطيني في مرحلة ما بعد الرئيس عباس كما هو الحال لدى الفلسطينيين بأستثناء من يفكرون بعقلية المؤامرة بأن كل شيء مطبوخ و جاهز و بالتالي لا داعي للاجتهاد و التفكير ، او من لديه حلول سهله او سحرية لا تستند الى اي وفاق وطني او شرعيه انتخابية من الشعب الفلسطيني .
[email protected]