أَهِيَ، أي «الموسيقى»، حرامٌ حقاً ؟!

تنبتُ في أذنيه زهورٌ وورودٌ وفُلّ بدلا من شعرات المشيب، عندما يسمع معزوفة موسيقية تصفُ نفسها وتقول: أنا خاصَّةُ أم كلثوم!

تتجددُ تجاعيد عينيه عندما يشاهد منديلها يترنح يميناً ويساراً. يأتي حفيدٌ من أحفاده وهو في عز طفولته وشقاوته، وكمن كان ينظر إلى جده بعين الاستغراب!، كان الأخير؛ أيْ جدّه يقول له مخاطباً: تعال يا صديقي لنلهو ونلعب! لكنني أعترف أنني عندما سمعته ينطق بهذه الكلمات حرفا حرفا، خِلْتُني أخاطبُ سِرّي: يا ترى من هو الطفل هنا؟ ثم أرفع بصري نحو السماء: يا الله.. هل الموسيقى حرام فعلاً كما يقولون وهي تجعل الكبير صغيراً والصغير كبيراً؟ وهي تجعل ابنه البكر المتشدد يبتسم عندما يرى أباه سعيداً بهذا الشكل الطفولي؟ وهي تجعل عامله الخاص يحظى بزيادة مرتبه بدءاً من هذه الليلة؟ وهي تجعله نشيطاً متحركاً يساعد زوجته في طرح العشاء؟ وهي تجعله يخرج مسرعاً بباقي العشاء للقطط والكلاب التي تسكن في الشارع المقابل؟ وهي تجعله وهو عائدٌ يقطف وردةً (ما) ليعبر عن حبه لزوجته، ذلك، أي الحب، الذي استيقظ بغتة؟ وهي تستعيد تلك الليلة التي أتى بها إلى بيته لأول مرة وهو يحملها بين يديه كطفلة؟ شعرت أنّ موسيقى أغنيات أم كلثوم تعيده إلى الوراء خمسين سنة.. يا الله!

إنها تجعله ينحني ويسجد شكراً لله.

وهي مَن حرّضتهُ أن يهاتف أصدقاءه واحداً تلو الآخر ليطمئن عليهم.

كانت أم كلثوم تلك الليلة، بصوتها وبموسيقى أغنيتها قد جعلته يستحيلُ مزوحاً مرحاً مبتسماً وطروباً إلى حدّ أنّ كتلة من الفن وبريقا من أمل ضائع قد عادا إلى التوهج في ملامحه لتتقاطرَ من شفاهه كلمات تشبهُ البهجة المستحيلة!

ثم غبتُ في داخلي مطلقاً سؤالاً بريئاً وجهته لنفسي العميقة:

أهي، أقصدُ الموسيقى، حرامٌ حقاً؟!